كان الذات فهو أيضا عامّ ، وإن كان هو العلم بعادة الله ، ففيه أنّه إذا كان عادته المستمرّة هي الفواحش كالخديعة والكذب ، فكيف يمكن دعوى العلم بخلافه ، وأنّه هو عادته؟! هذا مضافا إلى أنّه لا شبهة في أنّ الأشاعرة محسّنون ومادحون لمن أحسن إليهم ، وذامّون لمن أساء بهم ، فإن كان فاعل الإحسان والإساءة هو الله فلا وجه للذّمّ والتوبيخ والعتاب ، بل لا يقبلون اعتذار فاعل السيّئة بأنّي ما فعلته ، ولهذا لو سبّ أحد الشيخين ، أو وجد فيه علامة الرافضة يضربونه ، بل يقتلونه ويأسرونه ويحكمون بكفره وجواز أسره وبيعه وشرائه كسائر الوثاق ، فلو كان فاعل ذلك هو الله لما كان لذلك وجه.
وبالجملة ، فالمواضع التي لا محيص لهم عن الإنكار في إسناد الفعل إلى العبد ومذمّته أكثر من أن تحصى ، كمن قصّر في حفظ ماله ، أو أتلفه عبثا ، أو نحو ذلك.
وأيضا نعلم بالوجدان ـ بل الضرورة والعيان ـ أنّا نقدر أن نضرب أحدا ، وأن لا نضربه ونحو ذلك بحيث إن شئنا فعلنا ، وإن شئنا لم نفعل ، وإنكار ذلك تكذيب الوجدان والضرورة.
وبالجملة ، فالقول بالجبر مناف لبعث الرسل وإتمام الحجّة وبسط التكاليف والوعد والوعيد والمبالغة فيهما وفي التبليغ والاهتمام التامّ في الإرشاد والهداية والموعظة والنصيحة والجدّ والجهد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحدود والقصاص والديات ونحو ذلك ممّا لا يحصى.
وكذا البناء على التقصير وعدمه ، والتفرقة بين المعذور وغيره ، والفرق بين العمد والنسيان ، والخطأ والغفلة ، والغرور والجهل ، والاختيار والاضطرار ونحو ذلك.
وكذا كون المباشر في أكثر الصور أقوى ، والسبب في بعضها أقوى وأمثاله.
وكذا لا يكون لقوله تعالى : ( وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (١)
__________________
(١) النحل (١٦) : ١١٨.