الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ ) (١) الآية ، وقوله تعالى : ( إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ ) (٢) أي أعلمناها بذلك وكتبناه في اللوح المحفوظ ـ فعلى هذا جميع الأفعال بالقضاء والقدر. وإليه أشار بقوله : صحّ مطلقا.
( وقد بيّنه أمير المؤمنين عليهالسلام في حديث الأصبغ ).
إشارة إلى ما روى الأصبغ بن نباتة من أنّ شيخا قام إلى عليّ بن أبي طالب عليهالسلام بعد انصرافه من صفّين فقال : أخبرنا عن مسيرنا إلى الشام أكان بقضاء الله وقدره؟ فقال : والذي خلق [ الحبّة ] (٣) وبرأ النسمة ما وطئنا موطئا ، ولا هبطنا واديا ، ولا علونا تلعة إلاّ بقضاء الله وقدره.
فقال الشيخ : أحتسب عنائي ما أرى من الأجر شيئا ، فقال عليهالسلام : مه أيّها الشيخ عظّم الله أجركم من مسيركم وأنتم سائرون ، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ، ولا إليها مضطرّين.
فقال الشيخ : كيف والقضاء والقدر ساقانا؟ فقال : ويحك لعلّك ظننت قضاء لازما وقدرا حتما ولو كان كذلك ، لبطل الثواب والعقاب ، والوعد والوعيد ، والأمر والنهي ، ولم يأت مذمّة من الله لمذنب ، ولا محمدة لمحسن ، ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء ، ولا المسيء أولى بالذمّ من المحسن ، تلك مقالة عبدة الأوثان ، وجنود الشيطان ، وشهود الزور وأهل العمى عن الثواب ، وهم قدريّة هذه الأمّة ومجوسها إنّ الله أمر تخييرا ، ونهى تحذيرا ، وكلّف يسيرا ، فلم يعص مغلوبا ، ولم يطع مكرها ، ولم يرسل الرسل إلى خلقه عبثا ، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا ، ذلك ظنّ الذين كفروا ، فويل للذين كفروا من النار.
فقال الشيخ : وما القضاء والقدر اللذان ما سرنا إلاّ بهما؟
__________________
(١) الإسراء (١٧) : ٤.
(٢) الحجر (١٥) : ٦٠ ؛ النمل (٢٧) : ٥٧.
(٣) الزيادة أضفناها من المصدر.