المرجوح ، الذي هو قبيح ، فيجب عقلا إيجاد الأصلح ، فلا يلزم مجرّد الوجوب منه بمعنى اللزوم كما هو مقتضى الدليل الأوّل ، بل يلزم الوجوب عليه بمعنى استحقاق الذمّ على الترك أيضا ، كما هو مقتضى الدليل الثاني.
فإن قلت : إنّ الأصلح بحال الكفّار الابتلاء بالأمراض المزمنة ، بل عدم الخلق ، والموت قبل التكليف ، أو عدم العقل ؛ لئلاّ يستوجبوا خلود النار ، وهكذا الأصلح بحال العباد وجود الأنبياء والأوصياء دائما ؛ ليهتدوا بهم ، وعدم إبليس وأعوانه ؛ لئلاّ يضلّوا ، فلم يقعا (١).
قلت : وجود الكفّار وصحّتهم وبقاؤهم وعقلهم ونحو ذلك أصلح لهم من حيث إنّها من مقتضيات استحقاق خلود الجنّة ، واستحقاقهم خلود النار من جهة سوء اختيارهم لا يستلزم عدم كون ما ذكر أصلح في نفسه ، وهكذا قد يكون عدم الأنبياء والأوصياء ووجود أضدادهم أصلح للعباد ؛ لكونهما من أسباب الرياضات النفسانيّة والابتداءة (٢) في تحصيل العلوم الدينيّة ، والفوز إلى الدرجات العالية مضافا إلى أنّ مصلحة الجزء إذا تعارضت مصلحة الكلّ تقدّم مصلحة الكلّ كما أشرنا إليه ، فلعلّ [ مصلحة ] الكلّ كانت فيما ذكر.
فإن قلت : إنّ مقدورات الله تعالى غير متناهية ، فكلّ ما يفرض أصلح يكون ما فوقه ممكنا إلى غير النهاية ، فيلزم عدم إمكان تأدية الله ما هو الواجب عليه.
قلت : عدم تناهي مقدوراته إنّما هو بحسب الإمكان الذاتيّ لا الوقوعيّ ؛ للزوم المفاسد ، فكلّ أصلح لا يكون ما فوقه ممكنا بسبب نقص القابل.
فإن قلت : وجوب الأصلح يستلزم عدم استحقاقه تعالى الشكر ؛ إذ كلّ ما يفعله فهو أصلح ، وكلّ ما هو أصلح فهو واجب عليه.
__________________
(١) أي لم يقع الأصلح بحال الكافر ولم يقع الأصلح بحال المؤمن.
(٢) كذا في النسخ ، واحتمال « الأبدانية » ليس ببعيد.