لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً ) (١) فإنّه أخبر بأنّه لو منعهم اللطف في بعثة الرسول ، لكان لهم هذا السؤال ، ولا يكون لهم هذا السؤال إلاّ مع قبح إهلاكهم من دون البعثة ، ولا يقبح ذمّه ؛ لأنّ الذمّ حقّ يستحقّ على القبيح ، غير مختصّ بالمكلّف بخلاف العقاب المستحقّ للمكلّف ، ولهذا لو بعث الإنسان غيره على فعل القبيح ففعله ، لم يسقط من الباعث حقّ الذمّ كما أنّ لإبليس حقّ ذمّ أهل النار وإن كان هو الباعث على المعاصي.
( ولا بدّ من المناسبة ).
يعني لا بدّ وأن يكون بين اللطف والملطوف فيه مناسبة. والمراد بالمناسبة كون اللطف بحيث يكون حصوله داعيا إلى حصول الملطوف فيه ؛ لأنّه لو لا ذلك لم يكن كونه لطفا أولى من كون غيره من الأفعال لطفا ، فيلزم الترجيح من غير مرجّح ، ولم يكن أيضا كونه لطفا في هذا الفعل أولى من كونه لطفا في غيره من الأفعال ، وهو أيضا ترجّح من غير مرجّح.
وإلى هذين أشار بقوله : ( وإلاّ ترجّح بلا مرجّح بالنسبة إلى المنتسبين ) وعنى بالمنتسبين اللطف والملطوف فيه.
( ولا يبلغ (٢) الإلجاء ).
يعني ينبغي أن لا يبلغ اللطف في استدعاء الملطوف فيه حدّ الإلجاء ، وإلاّ لم يكن اللطف لطفا ؛ ضرورة اعتبار عدم الإلجاء في مفهومه ، كما ذكرنا.
( ويعلم المكلّف اللطف إجمالا أو تفصيلا ).
يعني يجب كون اللطف معلوما للمكلّف إمّا بالإجمال أو التفصيل ؛ لأنّه إذا لم يعلمه ولم يعلم الملطوف فيه ولم يعلم المناسبة بينهما ، لم يكن داعيا إلى فعل
__________________
(١) طه (٢٠) : ١٣٤.
(٢) هذا وما عطف عليه ب « أن » المقدّرة عطفا على « المناسبة » أي لا بدّ من المناسبة ، وعدم بلوغ اللطف إلى الإلجاء ، وعلم المكلّف باللطف ، وهكذا.