والحقّ أنّ طرفي النسبة لا يمكن أن يكونا معدومين بالعدم المطلق ، وإذا تحقّقا نوع تحقّق ـ وإن لم يجتمعا في الوجود ـ فإنّ العقل يجوّز تحقّق النسبة بينهما ، ولم ينقبض عنه. ومن تصوّر حقيقة وجود الأعراض التدريجيّة ، تصوّر كيفيّة النسبة بين أجزائها المتعاقبة ، وقلّ استبعاده ، وأذعن بها.
ثمّ إنّ النسبة بالتقدّم والتأخّر بين أجزاء الزمان في الواقع من غير فرعيّة ولا اعتبار العقل وتصوّره ، واتّصافها بالصفات الثبوتيّة ، والحكم بالأحكام النفس الأمريّة ، بل الخارجيّة المستلزمة لثبوت المثبت له في الواقع ممّا لا يشكّ فيه أحد ، وليس من الأحكام المتفرّعة على اعتبار العقل ، الحاصلة بعد فرضه ، وليس بحاصل بالفعل إلاّ بعد الفرض ؛ فإنّه لو كان كذلك ، لكان حكم العقل بأنّ هذا الجزء متقدّم ، وذلك متأخّر في الخارج من الأحكام الكاذبة ؛ لأنّه في الخارج ليس كذلك في الحقيقة.
ألا ترى أنّه يصحّ الحكم على الذوات غير المتناهية من الحركة والزمان بالتقدّم والتأخّر والقسمة. والانتزاع الإجماليّ غير كاف لاتّصاف كلّ جزء جزء بالتقدّم والتأخّر ، والتفصيل يعجز عنه العقل عندهم ، فكيف تكون هذه الاتّصافات بعد فرض الأجزاء كما ذهبوا إليه؟!
وقد ذهب بعض المحقّقين في جواب شكّ من قال لم اتّصف هذا الجزء من الزمان بالتأخّر وذاك بالتقدّم؟ إلى أنّ هذه الاتّصافات مستندة إلى هويّات الأجزاء وتشخّصاتها الحاصلة لها ، فكما أنّه لا يصحّ السؤال بأنّ زيدا لم صار زيدا ، وعمرا عمرا؟ لا يصحّ السؤال بأنّه لم صار أمس أمس ، واليوم اليوم؟
وذهبوا أيضا إلى أنّ اختلاف أجزاء الفلك بالقطب والمنطقة مستند إلى هويّة الأجزاء ، ليس بفرض الفارض ، بل موجود فيه حقيقة ، ولكنّ الأجزاء وهويّاتها موجودة بوجود الكلّ بوجود واحد. وكما أنّ أجزاء الجسم وتشخّصاتها موجودة بوجود الجسم بوجود قارّ ، كذلك أجزاء الزمان والحركة موجودة بوجود الكلّ