الحكماء (١) أيضا قائلون به ، فإنّهم أيضا يقولون (٢) بصحّة صدور الفعل والترك عن الواجب بالنظر إلى ذاته مع قطع النظر عن الإرادة وإن قالوا بوجوب الفعل عنه بالنظر إلى إرادته القديمة التي هي عين ذاته ، فيكون موجبا ـ بكسر الجيم ـ لا موجبا ـ بفتح الجيم ـ كما نسب إلى الفلاسفة ، (٣) فإنّي لم أقف على قائل به ، وليس الأوّل منافيا لقدرته تعالى ؛ إذ الوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار ، فهم يقولون بدوام الفعل وقدم الأثر بسبب الإرادة القديمة ومسبوقيّة الوجود بالعدم بالنظر إلى ذات الممكنات ؛ فإنّ العلّة التي تحتاج إليها الممكنات متقدّمة عليها بالذات وهي متأخّرة عنها بالذات وإن لم تتأخّر عنها بالزمان ، فلها بالنسبة إلى ذات العلّة عدم ، فيكون وجودها مسبوقا بالعدم الذاتي وهو المعنيّ من الحدوث الذاتي.
ولكن يرد عليهم أنّ ما ذكر عين القول بكونه موجبا بفتح الجيم لأنّهم يقولون بامتناع تخلّف المعلولات عن الواجب تعالى بعد انضمام الإرادة ، والإرادة عين الذات ، فيلزم امتناع التخلّف عن الذات ، وملاحظة الذات بدون الإرادة من قبيل سلب الشيء عن نفسه ، وليس ذلك أمرا واقعيّا ، بل هو أمر اعتباريّ محض ، فيلزم كونه تعالى مختارا فرضيّا اعتباريّا لا حقيقيّا ، فيلزم النقص اللازم على القائل بكونه تعالى موجبا بفتح الجيم.
فالتحقيق أنّ الإرادة التي هي عين ذاته تعالى عبارة عن العلم بالمصلحة الذاتيّة أو
__________________
(١) « الجمع بين رأيي الحكيمين » : ١٠٠ ـ ١٠٤ ؛ « الشفاء » الإلهيات : ٢٦٤ ـ ٢٦٨ ؛ « النجاة » : ٢٢٣ ؛ « التعليقات » : ٨٥ ؛ « المطالب العالية » ٤ : ٣١٨ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ١٢١ ـ ١٣٨ ؛ « الأسفار الأربعة » ٣ : ١٦٠ ـ ١٦٢ ؛ « شوارق الإلهام » : ٩٦.
(٢) انظر التعليقة ٤ في الصفحة ٤٧.
(٣) هذه النسبة مشهورة بين المتكلّمين وإن لم يصرّح بها بعضهم. انظر « شرح الأصول الخمسة » : ١٥١ ـ ١٥٦ ؛ « المحصّل » : ٣٧٢ ـ ٣٨٢ ؛ « المطالب العالية » ٣ : ٧٧ ؛ « الأربعين » ١ : ١٧٤ ـ ١٨٧ ؛ « مناهج اليقين » : ١٦٠ ـ ١٦٢ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٤٩ ـ ٥٩ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ٨٩ ـ ١٠٠ ؛ « اللوامع الإلهيّة » : ١١٨ ؛ « إرشاد الطالبين » : ١٨٢ ـ ١٨٧ ؛ « مفتاح الباب الحادي عشر » : ٩٩ ـ ١٠٥ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٣١٠ ؛ « شوارق الإلهام » ٢ : ٥٠٠ ـ ٥٠٣.