عن هذا فرأيت من حالك ما شغلني عن المسألة ، فمن هذا يا جبرئيل؟ قال : هذا إسرافيل خلقه الله يوم خلقه بين يديه صافّا قدميه لا يرفع طرفه ، بينه وبين الربّ سبعون نورا ما منها نور يدنو منه أحد إلاّ احترق ، بين يديه اللوح المحفوظ ، فإذا أذن الله في شيء في السماء أو في الأرض انقطع (١) ذلك اللوح فضرب جبهته فينظر فيه ، فإن كان من عملي أمرني به ، وإن كان من عمل ميكائيل أمره به ، وإن كان من عمل ملك الموت أمره به ، فقلت : يا جبرئيل! على أيّ شيء أنت؟ قال : على الرياح والجنود. قلت : على أيّ شيء ميكائيل؟ قال : على النبات والقطر. قلت : على أيّ شيء ملك الموت؟ قال : على قبض الأنفس وما ظننت أنّه هبط إلاّ لقيام الساعة ، وما ذاك الذي رأيت منّي إلاّ خوفا من قيام الساعة » (٢).
قال في « البحار » : « وقال الرازيّ في تفسيره : إنّه لا خلاف من العقلاء في أنّ أشرف الرتبة للعالم العلوي هو وجود الملائكة فيه ، كما أنّ أشرف الرتبة للعالم السفلي هو وجود الإنسان فيه إلاّ أنّ الناس اختلفوا في ماهيّة الملائكة وحقيقتهم.
وطريق ضبط المذاهب أن يقال : الملائكة لا بدّ أن تكون ذوات قائمة بأنفسها ، ثمّ إنّ تلك الذوات إمّا أن تكون متحيّزة أو لا تكون.
أمّا الأوّل ، ففيه أقوال :
أحدها : أنّها أجسام لطيفة هوائيّة تقدر على التشكّل بأشكال مختلفة ، مسكنها السماوات. وهذا قول أكثر المسلمين.
وثانيها : قول طوائف من عبدة الأوثان ، وهو أنّ الملائكة في الحقيقة هذه الكواكب الموصوفة بالأسعاد والأنحاس ؛ فإنّها بزعمهم أحياء ناطقة ، وأنّ المسعدات
__________________
(١) في المصدر : « ارتفع ».
(٢) « بحار الأنوار » ٥٦ : ٢٥٧ ، ح ٢٢.