وبالجملة ، لا ريب في وجود تلك العناصر الأربعة تحت فلك القمر ، وإنّما الإشكال في وجود كرة النار. وعلى تقدير وجودها هل كانت هواء انقلبت نارا بحركة الفلك أو كانت في الأصل نارا؟ والمشهور أنّ هذه الأربعة عناصر المركّبات التامّة وأسطقسّاتها ، ومنها تتركّب ، وإليها تنحلّ.
وقيل : النار غير موجودة في المركّبات ؛ فإنّها لا تنزل عن الأثير إلاّ بالقسر ، ولا قاسر هناك. ثمّ المشهور أنّ صور البسائط باقية في المركّبات.
وقال الشيخ في « الشفاء » : لكنّ قوما اخترعوا في قريب من زماننا هذا مذهبا غريبا ، قالوا : إنّ البسائط إذا امتزجت وانفعل بعضها من بعض تأدّى ذلك بها إلى أن يخلع صورها ، فلا تكون لواحد منها صورته الخاصّة ، وليست حينئذ صورة خاصّة واحدة ، فتصير لها هيولى واحدة وصورة واحدة ، فمنهم من جعل تلك الصورة أمرا متوسّطا بين صورها. ومنهم من جعلها صورة أخرى من النوعيّات. واحتجّ على فساد هذا المذهب بوجوه تركناها.
وذهب انكساغورس وأصحابه إلى الخلط والكمون والبروز وأنكروا التغيير في الكيفيّة والصورة ، وزعموا أنّ الأركان الأربعة لا يوجد شيء منها صرفا ، بل هي تختلط من تلك الطبائع النوعيّة كاللحم والعظم والعصب ، والتمر والعسل والعنب وغير ذلك. وإنّما سمّي بالغالب الظاهر منها ، ويعرض لها عند ملاقاة الغير أن يبرز منها ما كان كامنا فيها ، فيغلب ويظهر للحسّ بعد ما كان مغلوبا غائبا ، لا على أنّه حدث ، بل على أنّه برز ، ويكمن فيها ما كان بارزا ، فيصير مغلوبا وغائبا بعد ما كان غالبا وظاهرا.
وبإزائهم قوم زعموا أنّ الظاهر ليس على سبيل البروز ، بل على سبيل النفوذ من غيره فيه كالماء مثلا ؛ فإنّه إنّما يتسخّن بنفوذ أجزاء ناريّة فيه من النار المجاورة له.
وهذان القولان سخيفان.
والمشهور عندهم أنّ العناصر يفعل بعضها في بعض ، فتستحيل في كيفيّاتها