والوجهان متقاربان.
قيل (١) : « أقول : لا يبعد كون قول المصنّف قدسسره إشارة إلى ردّ قول الأشاعرة الذاهبين إلى أنّ القدرة زائدة على الذات. وتوجيهه : أنّه لمّا امتنع تعدّد الواجب تكون القدرة ممكنة ، ولا يجوز أن تكون علّتها غير الذات ؛ لاستحالة احتياج الواجب في الصفة الحقيقيّة إلى أمر خارج ؛ لكونه نقصا يجب تنزيهه تعالى عنه اتّفاقا ، ولأنّ غير الذات مستند إلى الذات ، فيكون الذات موجبا في إيجاده لا قادرا ؛ لاستحالة التسلسل ، ولا يجوز أن يكون فاعلا بالاختيار للقدرة ؛ لهذا الأخير بعينه ، فيلزمهم كون الذات موجبا في البعض ، فلا يكون قادرا على الكلّ ، وليس أيضا موجبا في الكلّ وهو الواسطة بين القادر والموجب المنفيّة بقوله : « والواسطة غير معقولة. وسيجيء بيان عدم المعقوليّة في الكتاب عن قريب ، وحينئذ لا توجّه لما سيذكره الشارح » انتهى كلامه بألفاظه.
ويمكن أن يناقش بأنّه لا حسن لهذا التوجيه ؛ لأنّ ردّ مذهب الأشاعرة ، وبيان المفاسد ـ التي تلزم عليهم ـ سيجيء وهو مبحث برأسه ، وليس غرض المصنّف الإشارة إلى ردّ مذهبهم هنا ؛ لأنّه قدسسره سيجعل له بحثا على حدة على ما سيأتي.
ويمكن أن يقال : إنّ قول المصنّف قدسسره إشارة إلى جواب الاعتراض الذي أورده الشارح.
تقريره : أنّ المختار أكمل وأتمّ من الموجب ، والمنع عليه مكابرة كما ذكره غياث المدقّقين (٢) ، والخالق أكمل من المخلوق وهذا بديهيّ أيضا ، فإذا كان كذلك لم يصحّ أن يكون المخلوق قادرا وخالقه غير قادر ، فتجويز كون الواجب غير قادر وأثره قادرا غير معقول ؛ لأنّه يستلزم أن يكون المخلوق أشرف من خالقه وأكمل منه.
ويمكن أن يقال أيضا : إنّ قول المصنّف : « والواسطة غير معقولة » إشارة إلى دفع
__________________
(١) القائل هو فخر الدين. ( منه رحمهالله ).
(٢) انظر « الحاشية على إلهيّات الشرح الجديد للتجريد » : ٤٦.