من بعض الموجودات كالإنسان ـ مثلا ـ ليس في الواجب أيضا ؛ لأنّ اختيار الواجب تعالى ليس من قبيل اختيارنا ؛ لأنّ اختياره تعالى واجب واختيارنا ممكن ، فيلزم ثبوت الواسطة بين الإيجاب الذي في الطبائع وبين الاختيار الذي فينا ، فأشار قدسسره إلى دفع هذا بقوله : والواسطة غير معقولة ».
وحاصله : أنّا سلّمنا أنّ اختيار الواجب ليس من قبيل اختيارنا ، بمعنى أنّه ليس ممكنا واختيارنا ممكن ، وأنّه ليس زائدا واختيارنا زائد ، لكن هذا لا يخرجه عن كونه اختيارا ، بل اللازم حينئذ أن يكون اختياره ـ جلّ ذكره ـ آكد وأقوى من اختيارنا ، ويكون اختياره فردا كاملا من الاختيارات ، ومثل ذلك أنّ الوجود إذا فرضناه قائما بذاته ، فهذا لا يخرجه عن كونه وجودا ، بل يكون فردا تامّا من الوجودات. وكالبياض مثلا ؛ فإنّه لو جاز قيامه بنفسه بدون الموضوع لكان بياضا تامّا حاصلا في نفسه ، فقس على ذلك علمه تعالى وقدرته وحياته وغيرها من الصفات الكماليّة.
وعلى هذا التوجيه يكون اعتراض الشارح على المصنّف قدسسره غير مقابل نشأ من سوء فهم مراده قدسسره ، فوجّه بعض الشارحين (١) كلام المصنّف بحيث يكون اعتراض الشارح غير مقابل أيضا.
وحاصله : أنّ موجد الشيء لا يخلو إمّا أن يكون بوجه لا يمكن أن يتخلّف عنه معلوله ، أولا ، فإن كان الأوّل كان موجبا ، وإن كان الثاني كان مختارا ، فلو لم يكن البارئ ـ سبحانه وتعالى ـ مختارا كان موجبا ؛ لأنّه لا واسطة بين كون موجد العالم قادرا وبين كونه موجبا على ما ذكرنا ، فتجويز أنّ موجد العالم لا يكون قادرا ولا موجبا ، بل يكون متوسّطا بين الإيجاب والاختيار غير معقول. وإلى هذا أشار المصنّف بقوله : « والواسطة غير معقولة ».
__________________
(١) ذكر اللاهيجي رحمهالله هذا التوجيه في « شوارق الإلهام » : ٥٠٤.