نشكّ في حرمة شرب التتن وفي حرمة الأرنب وفي حرمة القهوة وفي وجوب الدعاء عند رؤية الهلال و ... ولا نحتمل أن جميع هذه الشبهات لا يوجد فيها تحريم ولا وجوب بل نقطع بثبوت التحريم أو الوجوب في بعضها ـ فإنّ الشريعة لا يحتمل أن تحكم على جميع الوقائع بالإباحة وإلاّ لم تكن شريعة فإنّ الشريعة هي المنهج الذي يحكم بحرمة بعض الأشياء أو وجوبها ـ ومع وجود هذا القطع فلا يمكن إجراء البراءة ؛ إذ إجراؤها في جميع الشبهات مخالف للعلم الإجمالي وإجراؤها في بعضها ترجيح بلا مرجّح ، نظير ما لو كان لدينا ألف إناء نعلم بحرمة بعضها فإنّ الحكم بحلّية جميعها يتنافى مع العلم الإجمالي والحكم بحلّية بعضها ترجيح بلا مرجّح.
ويمكن الجواب عن الاعتراض الأوّل بما يلي : ـ
أ ـ تقدّم في الحلقة الثانية استعراض الروايات التي تمسّك بها الإخباري على وجوب الاحتياط ، وقد اتّضح عدم تماميتها. أجل أقصى ما تدلّ عليه رجحان الاحتياط والحثّ والترغيب فيه ولا تدلّ على وجوبه ، والمهمّ هو إثبات وجوب الاحتياط وإلاّ فرجحانه ممّا لا كلام فيه.
ب ـ لو سلّمنا تمامية دلالة الروايات التي استدلّ بها الإخباري على وجوب الاحتياط فلا نسلّم ما قيل من انّ أدلة الاحتياط حاكمة على أدلة البراءة بل نقول انّ بعض أدلة البراءة يعارض أدلة الاحتياط ، فمثلا حديث الرفع يعارض أدلة الاحتياط لأنّ حديث الرفع يرفع الحكم رفعا ظاهريا ، أي يرفع وجوب الاحتياط ـ ولا يرفع الحكم واقعا لما تقدّم من الوجهين السابقين ـ فهو