وأمّا الشكل الثاني ـ أي حالة احتمال الحرمة والوجوب بدون انضمام احتمال الترخيص ـ المصطلح عليه بحالة دوران الأمر بين المحذورين فلا إشكال بين الاصوليين في عدم كون العلم الإجمالي منجّزا لأنّ كلاّ من مخالفته القطعية وموافقته القطعية غير ممكنة ، فإنّ الانسان امّا أن يشرب الماء ، وفي ذلك احتمال الموافقة كما فيه احتمال المخالفة ، وامّا أن يترك الشرب ، وفي ذلك احتمال الموافقة واحتمال المخالفة أيضا ، ولا يمكن فعل الشرب وتركه معا لتحصل المخالفة القطعية أو الموافقة القطعية.
إذن تنجيز العلم الاجمالي لكلا الإحتمالين غير ممكن ، كما وإن تنجيزه لأحدهما دون الآخر بلا وجه لأنّه ترجيح بلا مرجح.
وهذا كله مما لا إشكال فيه ، وإنما الإشكال بين الاصوليين وقع في أنّ العلم الاجمالي بعد الفراغ عن عدم منجّزيته هل يمنع من جريان أصل البراءة العقلي والنقلي لنفي احتمال الوجوب واحتمال الحرمة أو لا يمنع؟ فهناك من قال بانّه لا يمنع ، إذ بعد عدم كونه منجّزا لا يبقى مانع يمنع من جريان الأصل لنفي احتمال الوجوب واحتمال الحرمة ، كما وهناك : من قال بانّه يمنع حتى وإن لم يكن منجّزا.
ثمّ إنّ القائل بعدم المانع من جريان الاصل وجّهت له عدة اعتراضات.
والاعتراضات الموجهة على ثلاثة أشكال ، فبعضها اعتراض على البراءة