عندنا حالتان فتارة نفترض أن بيان حرمة شرب التتن لم تصدر من الشارع جزما واخرى نفترض احتمال صدور ذلك ولكنّه لم يصلنا لعوامل الخفاء والضياع الخاصّة (١) ، وأقصى ما تدلّ عليه الآية الكريمة هو أنّه في الحالة الاولى ـ أي حالة الجزم بعدم صدور البيان من الشارع ـ تجري البراءة ولا يستفاد منها أنّه في الحالة الثانية ـ أي حالة احتمال صدور البيان واختفائه ـ تجري البراءة أيضا ، ومن الواضح أنّا نعيش عادة الحالة الثانية ، أي نحتمل عادة صدور البيان من الشارع وعدم وصوله لنا لسبب وآخر ، ومعه فلا يمكن التمسّك بالآية الكريمة إذ لا نجزم بنظرها إلى الحالة الثانية والمتيقّن هو نظرها إلى الحالة الاولى فإنّ التعبير بكلمة « رسولا » ظاهر في الحالة الاولى ، أي لا نعذّب إلاّ بعد إصدار البيان ـ فإنّ الرسول ذكر كمثال لصدور البيان ـ وليس ظاهرا في الحالة الثانية وأنّه لا نعذّب إلاّ بعد صدور البيان ووصوله إلى المكلّف.
وفي هذه الآية الكريمة ـ على تقدير تمامية دلالتها على البراءة ـ نطرح نفس السؤال السابق الذي ذكرناه في الآية السابقة وهو أنّ دليل الإخباري على وجوب الاحتياط لو تمّ فهل يكون مقدّما على الآية الكريمة التي نحن بصدد
__________________
(١) فإنّ من المحتمل أنّ قسما من أحاديث أهل البيت عليهمالسلام ضاع وتلف ، ففي بغداد كانت مكتبة عظيمة تضمّ قسما كبيرا من ذلك التراث ألقاها المغول عند هجومهم على بغداد في نهر دجلة. وابن أبي عمير كانت له كتب كثيرة سجّل فيها الأحاديث التي سمعها من الأئمّة عليهمالسلام وعند ما ألقى الرشيد القبض عليه أحرقت اخته تلك الكتب حفاظا عليه