التعبّدي بالواقع ـ إذ المفروض أنّ المجعول في خبر الثقة هو العلمية ـ ويرتفع بذلك الشكّ الذي هو موضوع الاستصحاب ، وهذا بخلافه لو أخذنا بالاستصحاب فإن المجعول في الاستصحاب وإن كان هو العلمية فلو أخذنا به حصل العلم وارتفع الشكّ إلاّ أنّه قد فرضنا أنّ الشكّ لم يؤخذ في موضوع دليل حجّية خبر الثقة ليلزم من ذلك عدم حجّية خبر الثقة بل المفروض أنّ خبر الثقة حجّة في جميع الحالات ولم يشذ عن حجّيته سوى حالة واحدة وهي حالة العلم الوجداني بالواقع والمفروض أنّ الاستصحاب لو جرى فأقصى ما يحصّله لنا هو العلم التعبّدي دون العلم الوجداني.
والخلاصة : انّ أخذ الشكّ في لسان دليل الأصل وعدم أخذه في لسان دليل الامارة لئن كان يثمر فهو يثمر هنا حيث يوضح لماذا نقدّم خبر الثقة على الاستصحاب عند التعارض بينهما بالرغم من أنّ كليهما امارة (١).
ب ـ انّه لو كان المدار على لسان الدليل وألفاظه فلازم ذلك صيرورة خبر الثقة امارة تارة وأصلا عمليا اخرى فانّه لو جعلنا الدليل على حجّية الخبر آية السؤال من أهل الذكر ـ أي قوله تعالى : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ* ) ـ صار الخبر أصلا لأنّ هذه الآية الكريمة أخذ في لسانها الشكّ وعدم العلم حيث قيل اسألوا وخذوا بالخبر إن كنتم شاكّين ولا تعلمون ، بينما لو جعلنا الدليل على حجّية الخبر مفهوم آية النبأ ـ أي قوله تعالى : وإن لم يجىء فاسق فلا تتبيّنوا ـ صار الخبر امارة حيث لم يؤخذ في اللسان المذكور الشكّ وعدم العلم ، وهذا باطل إذ
__________________
(١) اشير إلى إيضاح هذا المطلب ص ٣٦٢ من الحلقة