من كون الشيء متيقن الثبوت سابقا ومشكوك البقاء لاحقا كما يعلم ذلك من تحديد القمي له : « بكون حكم أو وصف يقيني الحدوث في السابق الخ » (١) أو امضاء ، كما يعلم من تحديد آخرين (٢) له بالظن بالبقاء وغيره من التعريفات ، فيصح ان يجعل شروطا لتعلق حكم الشارع بوجوب المضي على هذا الموضوع حيث انّ الموضوع كان قبلها فلا يتعلق به حكم بدونها.
ولكنه خلاف التحقيق ، بل الحق ما عرفت من كون الاصول العملية نفس حكم الشارع بالأحكام المخصوصة. نعم لمّا كانت الأمارات متعلقات حكم الشارع بالحجية من مثل قول المخبر الواحد والاجماع المنقول والشهرة ونحوها ومن المعلوم انّ لها تحققا بدون الشرائط وحكم الشارع بالحجية ، فيصح أن يجعل لجواز العمل بها وحجيتها شروطا كي يتحقق حكم الشارع بعد ذلك. ومما ذكرنا ظهرت التفرقة بين الاصول والأمارات من حيث الشرائط.
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم : انّه يعتبر في حقيقة الاستصحاب على وجه وفي تحقق مجراه بناء على وجه آخر امور :
الأول : بقاء الموضوع [ و ] يقع الكلام فيه تارة : في تعيين المراد من بقائه وما به احرازه ؛ واخرى : في الدليل على اشتراطه.
أمّا الأول : فالمراد به أن يتعلق الشك في الآن اللاحق بعين ما تعلق به اليقين سابقا. وبعبارة اخرى : ان تتحد القضية المشكوكة لاحقا مع القضية المتيقنة سابقا موضوعا ومحمولا ، بحيث ما حصل التفاوت بينهما إلاّ في مجرد اختلاف الزمان وتبدل اليقين بالشك وإلاّ فلو اختلفتا موضوعا مثلا لم يصدق انّ الشك في بقاء ما كان بل في حدوث حادث آخر غير ما كان أولا ؛ ولكن لمّا كان اليقين بحسب
__________________
(١) القوانين المحكمة ٢ : ٥٣ بتفاوت يسير.
(٢) هو العضدي في شرحه على مختصر ابن الحاجب ٢ : ٤٥٣ السطر الثاني قبل الاخير.