ثم إذا انجرّ الكلام إلى هنا فلا بأس أن نشير إلى الخلاف المشهور في كون الأحكام الوضعية مجعولة بنفسها أو انتزاعية من التكاليف ؛ ولا بدّ أولا من تحرير محل الخلاف فاعلم :
انّه لا ريب في مغايرة الأحكام الوضعية من الجزئية والشرطية والمانعية والصحة والفساد والملكية والزوجية والوكالة والحجية ونحوها من الاعتبارات مع الأحكام التكليفية من الايجاب والتحريم وغيرهما مفهوما ولا في قابلية الأول لتعلّق الانشاء به لكونه خفيف المئونة كقابلية الثاني للانشاء والجعل حقيقة.
وكذا لا ريب في انّ النزاع ليس في تسمية الأحكام الوضعية حكما لكونه دائرا مدار إرادة المغيّا الأعمّ الشامل للوضع والتكليف منه أو إرادة الأخص غير الشامل إلاّ لخصوص الأخير.
ولا في كون الحكم الوضعي حكما شرعيا أو لا لكونه تابعا بعد قابليته للجعل لكون الجاعل هو الشارع أو العرف.
ولا نزاع أيضا على كلا القولين في صحة التعبير عن كل واحد منهما إذا كان هو المقصود بالجعل بخطاب يخص الآخر مجازا أو كناية كما هو كذلك في غالب الانشاءات في العقود بناء على عدم كون الوضع قابلا للجعل كما لا يخفى.
ولا نزاع أيضا في كون الأحكام الوضعية ليست من الموجودات التي كان بحذائها شيء في الخارج ولا من أنياب الأغوال ، إذ المسلّم انّها من الاعتبارات الصحيحة التي لها منشأ انتزاع صحيح كما في الأحكام التكليفية.
ولا نزاع أيضا في كونها مع الأحكام الوضعية متحدة مصداقا غالبا.
بل النزاع بعد تسليم كون منشأ الانتزاع في التكاليف نفس انشائها للتوصل اليها في انّ الأحكام الوضعية أيضا كذلك فتكون مجعولة بانشائها بنفسها تشريعا للتسبّب به إليها ويكون نفس قصد حصولها تشريعا هو منشأ انتزاعها الحقيقي أولا ،