صار صلاته بيانا لآية الصلاة (١) ، وحجّه بيانا لآية الحجّ (٢). وكخطوط الهندسة وغيرها من الإشارة تصير بيانا للقول في مقام التعليم إذا لم يف القول به ، فيستعان بالتخطيط والتشكيل والإشارات والحركات (٣).
ولا يخفى أنّ القول أيضا يصير بيانا ، بل البيان بالقول أكثر ، مع أنّ رجحان دلالة الفعل لا يدلّ على تأخّره عن القول.
والقول : بأنّ دلالته إذا كانت أقوى ينبغي الحكم بكونه متأخّرا ناسخا للقول حتّى يكون الأقوى رافعا للأضعف دون العكس على ما هو شأن الحكيم (٤) ، لا يخفى ضعفه ؛ لأنّ المفروض أنّ كلاّ منهما إن كان متأخّرا يصلح لكونه ناسخا وإن كان أضعف ، واحتمال التقدّم والتأخّر على السواء ، وكون أحدهما أقوى لا مدخليّة له بالتأخّر.
واحتجّ العامل بالقول بأنّ دلالته على مدلوله أقوى بوجوه (٥) :
منها : أنّ القول وضع لمدلوله ، فلا يتخلّف عنه. وأمّا الفعل ، فله محامل ، وإنّما يفهم منه في بعض الأحوال ذلك بقرينة ، فيقع فيه الخطأ كثيرا.
وردّ بأنّ الأفعال التي هي آثار السخاوة تدلّ عليها دلالة قطعيّة لا يتصوّر فيها تخلّف ، بخلاف الأقوال ؛ فإنّ دلالتها وضعيّة قد يتخلّف عنها مدلولها.
ومنها : أنّ القول يدلّ على الموجود والمعدوم ، والمعقول والمحسوس ، بخلاف الفعل ؛ فإنّه يختصّ بالموجود المحسوس.
وفيه : أنّ السخاوة ليست من المحسوسات مع دلالة الأفعال عليها ، بل لا يبعد القول بأنّها تدلّ على المعدوم أيضا ، كدلالة آثار السخاوة على عدم البخل.
ومنها : أنّ دلالة القول متّفق عليها ، ودلالة الفعل مختلف فيها ، والمتّفق عليه أولى بالاعتبار.
وضعفه ظاهر.
__________________
(١) والمراد بآية الصلاة قوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) في مواضع من القرآن منها في البقرة (٢) : ٤٣.
(٢) المراد بآية الحجّ قوله تعالى : ( لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) ، آل عمران (٣) : ٩٧.
(٣ و ٤) راجع : شرح مختصر المنتهى ١ : ١٢١ ، ونهاية الوصول إلى علم الأصول ٢ : ٥٧٥.
(٥) للمزيد راجع شرح مختصر المنتهى ١ : ١٢١.