الحكمة الردع عنها لو لم تكن متناسبة مع نظر الشارع ، إذ انّ عدم الردع حينئذ ينافي الحكمة المقتضية للتحفّظ على الأغراض عن أن تكون في معرض الخطر.
على انّه لا بدّ من التنبيه على أمر يتّضح بالتأمّل فيما ذكرناه وهو انّه قد تكون السيرة منافية لنظر الشارع إلاّ انّ امتدادها للشئون الشرعيّة لا يمثل خطرا على الاغراض الشرعيّة ، وفي مثل هذا الفرض لا يكون عدم الردع معبّرا عن الإمضاء.
ومثال ذلك ما لو كان نظر الشارع هو التخيير في حالات التزاحم بين دفع المفسدة وجلب المصلحة المتساويين في الأهميّة وكانت السيرة جارية على تقديم دفع المفسدة على جلب المصلحة في حالات التساوي في الأهميّة ، فإنّ عدم الردع عن هذه السيرة لا يشكّل خطرا على غرض الشارع بعد افتراض انّ نظره في مثل هذا الفرض هو التخيير.
ثمّ انّ هذين القسمين للسيرة هما اللذان لو ثبت امضاؤهما لكانا صالحين للكشف عن الحكم الشرعي أو الحجّة الشرعيّة ، وهناك قسمان آخران للسيرة ليس لهما هذه الصلاحيّة.
القسم الأوّل : هو السيرة العقلائيّة التي تنقّح موضوعات الأحكام الشرعيّة الثابتة بأدلتها ، وهي على نحوين :
النحو الأول : السيرة التي ينخلق بها موضوع الحكم الشرعي ويتحدّد بواسطتها كيفيّة امتثاله والخروج عن عهدته ، ومثال ذلك حكم الشارع بوجوب الإنفاق على الزوجة بالمعروف ، فلو قامت السيرة على انّ الإنفاق بالمعروف لا يتمّ إلاّ بمستوى معين من النفقة فإنّ هذه السيرة تقتضي صيرورة موضوع الوجوب هو خصوص المقدار المحدّد من قبلها وانّ المقدار الأقل ممّا حددته السيرة لا يكون من النفقة بالمعروف ، وحينئذ لا يكون لأحد الإنفاق بمستوى أقل وان كان يرى عدم تماميّة ما عليه السيرة ،