كما انّ وجود سيرة سابقة على غير ما هي عليه فعلا لا يصحّح إلغاء السيرة الفعليّة ، إذ انّ تحديد الموضوعات خاضع للظروف المزامنة لامتثال التكليف ، وبطبيعة الحال انّ ذلك مختصّ بالموضوعات التي يخضع تبلورها للظروف والملابسات الخارجيّة.
النحو الثاني : السيرة التي يكون لها دور الكشف عن تحقّق موضوع الحكم الشرعي خارجا ، ومثاله ما لو كانت سيرة العقلاء جارية على عدم الإقدام على المعاملة الغبنيّة وانّهم يجرون في معاملاتهم على أساس التحفّظ على مالية ما عندهم من أموال فحينئذ نستكشف من هذه السيرة وجود شرط ضمني في كلّ معاملة وهو التقارب بين مالية العوضين ، فلو اتّفق ان كانت المعاملة غبنيّة فإنّ للمغبون خيار الغبن باعتبار انّ عدم الغبن شرط ضمني في العقد كشفت عنه السيرة العقلائيّة.
وتلاحظون انّ السيرة هنا كشفت عن تحقّق موضوع الحكم الشرعي والذي هو وجود شرط ضمني بعدم الغبن ، ومن هنا ترتب الحكم الشرعي والذي هو ثبوت الخيار.
والفرق العملي بين النحو الاول والثاني هو انّ النحو الثاني من السيرة لا يتنقّح بها موضوع الحكم الشرعي لو أقدم المتعاقدان على المعاملة مع البناء على الالتزام بمقتضاها ولو اتّفق الغبن ، وذلك لأنّ السيرة في النحو الثاني انّما تكشف عن وجود شرط ضمني مثلا فلو ألغى المتعاملان هذا الشرط فلا كاشفيّة للسيرة حينئذ عن وجود الشرط ، وهذا بخلاف النحو الاول من السيرة فإنّها لا تخضع لإرادة أحد من العقلاء بل انّها موجبة لانخلاق موضوع الحكم الشرعي ، فليس دورها الكشف بل انّ دورها الإيجاد للموضوع.
وبما ذكرناه يتّضح انّ هذا القسم من السيرة بنحويه لا تناط فاعليته بمعاصرة السيرة للمعصوم عليهالسلام بل انّه لو كانت السيرة في زمن المعصوم عليهالسلام