على الفطرة لم تتغلّق بحجب المعصية والضلال.
فالرواية ليست متصدّية للكشف عن انّ أحكام الله تابعة لرؤى المسلمين بل من المحتمل انّها متصدّية للتعبير عن انّ الضمائر التي هي على الفطرة صالحة للكشف عن مواطن رضا الله عزّ وجلّ ، فهي إذن من الروايات الاخلاقية. وقد تعرضنا لهذه الرواية في بحث « الاستحسان » وذكرنا لها احتمالات اخرى.
وكيف كان فالرواية لا صلة لها بالدعوى حتى لو لم يقبل ما احتملناه ، وذلك لأنّ التعبير بالرؤية لا يساوق معنى العرف والألفة والعادة ، إذ كثيرا ما تكون الألفة ناشئة عن مبرّرات تتّصل بالظروف الموضوعيّة ، فليست الرؤى والأفكار هي الخلاقة دائما للأعراف بل كثيرا ما تنشأ الأعراف عن ظروف قاهرة تقتضيها الأجواء البيئيّة والتركيبة الاجتماعيّة والثقافات الموروثة أو التي فرضتها ظروف الحياة والمتغيّرات الناشئة عن التداخل بين الامم مثلا ، وليس شيء من ذلك يتّصل بالرؤية والفكر وإذا كان لها دخل فليس هي العامل الأساسي أو الدائمي لانخلاق العادات والأعراف.
وعليه لو كانت رؤى المسلمين هي ملاكات الأحكام فإنّ ذلك لا يساوق انّ ما عليه المسلمون من أعراف هي ملاكات الأحكام ، إذ انّ معنى الرؤية لا يساوق معنى العادة والألفة.
وأما دعوى تبعيّة الأحكام الشرعيّة لرؤى المسلمين أو لاجتهاد المجتهد ـ كما قالوا ـ فهو خارج عن محل الكلام ، وقد ثبت فساده عندنا لاستلزامه التصويب.
وأمّا الدليل الثاني : فيمكن النقض عليه بموارد كثيرة خالف الشارع فيها ما هو متعارف عند العرب ، وأمّا اتّفاق مطابقة بعض الأحكام الشرعيّة لما هو متعارف عند العرب فهذا لا يعبّر عن انّ الأعراف هي مناط الأحكام الشرعيّة ، إذ لا مانع من اتّفاق ما عليه العرف للواقع إلاّ انّ ذلك لا يلازم انّ كلّ ما عليه العرف فهو مطابق للواقع.