وقريحة ثاقبة (١) ودراية صائبة ، ونفس سامية ، وهمّة عالية ، يُحِّب الأدب ويتعَصَّبُ للعربية ، فيجمع شملها ، ويكرم أهلها ، ويحرّكُ الخواطر الساكنة لإعادة رَوْنقها ، ويستثيرُ المحاسن الكاملة في صدور المتحلّين بها ويستدعي التأليفات البارعة في تجديد ما عفا من رسوم طرائفها ولطائفها (٢) ، مثل الأمير السيد (٣) أبي الفضل عبيد الله بن أحمد الميكالي أدام الله (٤) بهجته ، وحرس مهجته ، وأين مِثْلُه ، وأَصْلُهُ أَصْلُهُ وفصْلُه فَصْلُه؟
هَيْهَاتَ لَا يأْتي الزَّمَانُ بمثلِهِ |
|
إنَّ الزمانَ بمثلِه لَبَخِيلُ |
وما عَسَيْتُ أن أقول في من جمع أطراف المحاسن ، ونَظَم أشتات الفضائل ، وأخذ برقابِ المحامد ، واسْتَوْلَى على غايات المناقب فإن ذُكِرَ كَرَمُ المَنْصِب ، وشَرَفُ المُنْتَسَبِ ؛ كانت شجرَتُه الميكالية في قرارة المجد والعُلى (٥) ، أَصْلُها ثابِتٌ ، وَفَرْعُها فِي السَّماءِ ؛ وإنْ وُصِفَ حُسْنُ الصُّورَة ـ الذي هو أوَّلُ السعادة ، وعُنْوَانُ الخير وسِمَةُ السِّيادة ـ كان في وَجْههِ المقبول الصَّبيح ، ما يستنطِقُ الأفواه بالتسبيح ؛ لا سيما إذا ترقرقَ ماء البِشْرِ في غُرَّتِهِ وتفتَّق نُورُ الشَّرَفِ بين (٦) أَسِرَّتِهِ ، وإنْ مُدِحَ حُسْنُ الخُلُقِ ، فله أخلاقٌ خُلِقْنَ من الكرم المَحْضِ ، وشِيَمٌ تُشَامُ منها بارقَةُ المجدِ فلو مُزِجَ بها البحرُ لَعَذُبُ طَعْمُهُ ، ولو استعارَها الزمانُ لما جَارَ على حُرِّ حُكْمِهِ ، وإنْ أُجْرِيَ حَدِيثُ بُعْدِ الهِمَّةِ ضَرَبْنَا به المثل ، وتمثلنا هِمَّتَهُ على هَامَةِ زُحَل ، وإن نُعِتَ الفكرُ العميقُ ، والرّأْيُ الزَّنِيقُ (٧) فله منهما فلك يحيط بجوامع الصواب ، ويدورُ
__________________
(١) عبارة ( ل ) : ( وعزيمة راتبة ).
(٢) من هنا تختلف المقدمة في ( ل ).
(٣) في ( ط ) : السيد الأوحد.
(٤) في ( ط ) : ( الله تعالى ).
(٥) في ( ط ) : ( والعلاء ).
(٦) في ( ط ) : ( من ).
(٧) في ( ح ) : ـ الرقيق ، وبإزائه بهامشه « والرأي الزنيق والرقيق والوثيق والرَّنِيقُ.
والزَّنِيقُ : المحْكَمُ ، مأخوذٌ من الزّنَاق الذي يجعل في لَحْي الدابّة. وقال ابن أبي نوح : لم أره في الجمهرة ولا في الصحاح ولا في كتاب العين ، والذي ذكره في هذه الكتب : الزَّنيق ، الذي يجعل في حَنَك الدابة. وفي اللسان : ( الزِّناق ) : حَبْلٌ تحت حنك البعير يُجْذَبُ به. ورأيٌ زَنيقٌ : محكمٌ رَصِينٌ. وأَمْرٌ زَنِيقٌ وثيقٌ. ابن الأعرابي ؛ الزُّنُقُ العُقولُ التامَّةُ ».