عرفت عند تفسير الجهة أنّه لا يجب على من لم يشاهد الكعبة حقيقة أو حكما إلّا استقبال السمت الذي يحتمل وجود الكعبة فيه ، ويقطع بعدم خروجها منه ، متحرّيا في تشخيصه الأقرب فالأقرب ، وهذا ممّا يتّسع بحسب الأحوال والأشخاص بحيث قد يكون ما بين المشرق والمغرب قبلة ، كما يشهد له الصحيحتان الآتيتان (١).
ويؤيّده ما يستفاد من النصوص والفتاوى من جواز التعويل على الأمارات الظنّيّة التي من أوضحها الرياح الأربع ، كما مثّلوا بها ؛ فإنّ من الواضح أنّه قلّما تتشخّص جهة القبلة بمثل هذه الأمارات في أقلّ من ربع الدائرة ، ولا يخفى عليك أنّه متى أحرز جهة القبلة بشي من العلائم المعتبرة يعامل مع تلك الجهة معاملة عين الكعبة عند مشاهدتها ، فلا يلاحظ حينئذ مقدار الانحراف عن العين ، كي يقال : إنّ الانحراف عن الكعبة بمقدار ثمن الدائرة مضرّ أو غير مضرّ ، لا لكون الجهة من حيث هي قبلة للبعيد ، بل لكونها عند إجمال خصوص الجهة المحاذية لها بمنزلتها من باب التوسعة والتسهيل بشهادة العرف والشرع.
وثانيا : أنّه لا خلاف في أنّه لا يجب على من لم يتمكّن من معرفة القبلة أزيد من أن يصلّي الفريضة الواحدة إلى الجهات الأربع لكلّ جهة مرّة ، فلنا أن نقول : لا يجوز الاجتزاء بأقلّ من ذلك ؛ لقاعدة الاشتغال ، ولا يجب أزيد من ذلك ؛ إذ لا خلاف في كفاية هذا المقدار من الاحتياط ، فهو مبرئ يقينيّ لما اشتغلت به ذمّة المكلّف.
__________________
(١) في ص ٨٣ و ٨٧.