فإنّ تعلّق فعل المشيئة ببكاء الدّم غريب ، فذكره (١) ليتقرّر في نفس السّامع ويأنس به (٢) ، [وأما قوله (١) :
ولم يبق منّي الشّوق غير تفكّري |
|
فلو شئت أن أبكي بكيت تفكّرا (٣) |
فليس منه]. أي ممّا ترك فيه حذف مفعول المشيئة (٤) ، بناء على غرابة تعلّقها به
______________________________________________________
الدّم غريب» ، أي نادر في كلام البلغاء ، وجه غرابته أنّه قلّما يشاء الإنسان أن يخرج الدّم من عينه بطريق البكاء.
(١) أي فذكر بكاء الدّم الّذي هو مفعول فعل المشيئة ، وإن كان الجواب دالّا عليه ليتقرّر ذلك المفعول في نفس السّامع ، ويأنس السّامع به لذكره مرّتين ، الأولى أن أبكي دما ، والثّانية بإعادة الضّمير عليه ، لأنّ الضّمير في (لبكيته) راجع إلى الدّم المذكور أوّلا.
(٢) أي بالمفعول ، لأنّ ذكر الشّيء مرّتين سبب لأنس السّامع به.
لا يقال : إنّه لا وجه لتعليل وجوب الذّكر بالتّقرير ، لأنّه موجود في الحذف أيضا ، حيث إنّ الإيضاح والبيان بعد الإبهام يوجب تقرير المبيّن في الذّهن ، كما عرفت.
لأنّا نقول التّقرير هنا بمعنى الأنس ، كما يدلّ عليه قوله : «ويأنس السّامع به» ، وليس التّقرير بمعنى الرّسوخ بعد الأنس.
والحاصل إنّ اللّازم في مورد الغرابة الذّكر ، ليحصل الأنس ، وليرفع توحّش الذّهن عنه ، وهذا أهمّ من رعاية التّقرير بمعنى الرّسوخ.
(٣) المعنى : «يبق» مضارع من الإبقاء ، وهو ضد الإفناء ، والباقي واضح.
الإعراب : الواو للعطف ، و» لم» حرف جزم ونفي ، و» يبق» فعل مضارع ،» منّي» متعلّق ب» يبق» ،» الشّوق» فاعل» يبق» ،» غير تفكّري» مضاف ومضاف إليه مفعول ل» يبق» ،» فلو» الفاء للعطف ، و» لو» حرف شرط وامتناع ،» شئت» فعل وفاعل ،» أن أبكي» مؤوّل بالمصدر مفعول» شئت» ، والجملة فعل شرط ل» لو» ،» بكيت تفكّرا» فعل وفاعل ومفعول ، جواب شرط ل» لو» ، والجملة الشّرطيّة عطف على سابقتها.
(٤) أي تعلّق المشيئة بالمفعول ، أي ليس ترك حذف مفعول المشيئة لأجل غرابة تعلّقها به ، كما توهّمه صدر الأفاضل ، لعدم الغرابة فيه ، لكون المراد بالبكاء الأوّل هو البكاء الحقيقي ،
__________________
(١) أي قول أبي الحسن علي بن أحمد الجوهري من شعراء الدّولة العبّاسيّة.