ويرد هنا سؤال ، وهو أنّ هذه الآية هل تشير إلى مسألة تنازع البقاء التي تعتبر أحد الأركان الأربعة لفرضية دارون في مسألة تكامل الأنواع؟ تقول الفرضيّة أنّ الحرب والنّزاع ضروريّ بين البشر ، وإلّا فالسّكون والفساد سيعم الجميع ، فتعود الأجيال البشريّة إلى حالتها الأولى ، فالتّنازع والصّراع الدائمي يؤدّي إلى بقاء الأقوى وزوال الضعفاء وانقراضهم،وهكذا يتمّ البقاء للأصلح بزعمهم.
الجواب :
إنّ هذا التفسير يصح فيما إذا قطعنا صله هذه الآية لما قبلها تماما ، وكذلك الآية المشابهة لها في سورة الحجّ ولكنّنا إذا أخذنا بنظر الإعتبار هذه الآيات رأيناها تدور حوّل محاربة الظّالمين والطّغاة ، فلو لا منع الله تبارك وتعالى لملؤوا الأرض ظلما وجورا ، فعلى هذا لا تكون الحرب أصلا كليّا مقدّسا في حياة البشريّة.
ثمّ أنّ ما يقال عن قانون (تنازع البقاء) المبني على المبادئ الأربعة لنظريّة دارون في (تطوّر الأنواع) ليست قانونا علميّا مسلّما ، به بل هو فرضيّة أبطلها العلماء ، وحتّى الّذين كانوا يؤيّدون نظريّة تكامل الأنواع لم يعدّ أيّا منهم يعوّل عليها ويعتبرون تطوّر الأحياء نتيجة الطفرة (١).
وإذا ما تجاوزنا عن كلّ ذلك واعتبرنا فرضيّة تنازع البقاء مبدء علميّا فإنّه يمكن أن يكون كذلك فيما يتعلّق بالحيوان دون الإنسان ، لأنّ حياة الإنسان لا يمكن أن تتطوّر وفق هذا المبدأ أبدا ، لأنّ تكامل الإنسان يتحقّق في ضوء التّعاون على البقاء لا تنازع البقاء.
ويبدو أنّ تعميم فرضيّة تنازع البقاء على عالم الإنسان انّما هو ضرب من الفكر الاستعماري الّذي يؤكّده بعض علماء الاجتماع في الدول الرأسمالية لتسويغ حروب حكوماتهم الدمويّة البغيضة وإطفاء الطّابع العلمي على سلوكياتهم
__________________
(١) لمزيد من الاطلاع راجع الكتاب «الفرضية الأخيرة في التكامل».