تزعم أنك أبصرت الأجرام اللطيفة بنفسها ، بل أبصرت بها كما يبصر بأشعة العين في زعم المعتزلة من غير رؤيتها بنفسها (والجامع) بين الطرفين المذكورين الحسيين عقلى ، إذ هو (ما يعقل من ترتب أمر على آخر) فإن في كل منهما ترتب أمر على آخر إذ في الأول ترتب ظهور اللحم على كشط الجلد أى : إزالته عن اللحم ، وفي الثاني ترتب ظهور الليل أى : ظلمته على كشف ضوء النهار عنه. وإنما نسب الكشط إلى الضوء ؛ لأن الظلمة أصل الحادث إذ عدم ظهوره أصل ، وإنما يطرأ الضوء عليه فالضوء ظاهرى طارئ على الظلمة كالجلد طارئ على أصل عظام الشاة ظاهرى ثم الترتب المذكور إذا كان معناه حصول أمر عقب حصول آخر دائما ، وغالبا فلا ينافي أن يكون حسيا ؛ لأن الحاصل إن كان موجودا حسيا كالجرم قبل هذا الحصول ، فحصوله بعد آخر يكون معناه حصول سكونه أو حركته بعد سكون أو حركة آخر ، والسكون والحركة حسيان. وإن كان معدوما فحصوله وجوده والوجود باعتبار متعلقه حسى ، وذلك كاف في الحسية. وكونه عقليا باعتبار كونه كليا لا يوجب الخروج عن الحسية ؛ لأن الجامع بهذا الاعتبار حسى كله وجعله عقليا باعتبار أن الحاصل ظهور اللحم عن الكشط وظهور الظلمة عن كشف الضوء والظهور يرجع إلى الإبصار ، وهو عقلى يرد عليه أن الظهور حسى باعتبار الظاهر فتأمل.
ثم قوله ترتب أمر على آخر إن روعى في الترتب مطلقه من غير رعاية نسبة إلى الجامع بين الكشط والكشف كان قولنا دائما أو غالبا إشارة إلى المذهبين ، في ترتب النتيجة على الدليل إذ قيل إن الترتب فيها عقلى لا يتخلف فيكون ترتبها دائما وقيل ليس ترتبها عقليا فيكون غالبيا ولكن هذا خروج عما يناسب الحالة الراهنة ، مع أن المذهب الثاني لا ينافي الدوام كما لا يخفي وإن روعى فيه الحالة الراهنة كان الدوام والغلبة إشارة إلى أن الكشط لا يستلزم ترتب ظهور اللحم كما إذا أزيل التزاق الجلد بعود مثلا مع بقائه ساترا بناء على أن الكشط إزالة الالتزاق أو كشط ليلا ، ثم إن مقتضى ما ذكر المصنف بل صريحه كما تقدم أن المشبه الذي استعير له السلخ هو كشف الضوء عن الليل والمستعار منه هو كشط الجلد عن الشاة ومقتضاه أن الساتر