ذكر (فالتشبيه) الواقع (في الأولين) أعني الفعل وما يشتق منه ينصرف (لمعنى المصدر) أي للحدث المشمول للفعل وغيره دون الزمان في الأول والذات في الثاني وأعني بالذات ملابس الحدث من موصوف أو زمان أو مكان أو آلة وذلك لما تقرر آنفا في الفعل من كونه لا يستقل بالمفهومية باعتبار نسبته للفاعل فلا يصح الحكم عليه وما يقع فيه التشبيه يصح أن يحكم عليه وفي غيره من كون الذات المدلولة له فيها الإبهام فلا ينصرف لها التشبيه المقتضي لإدراك خصوص في المشبه بخلاف المصدر الذي هو الأصل فيهما.
(و) التشبيه (في الثالث) أعني الحرف ينصرف (لمتعلق معناه) أي لما تعلق به معنى الحرف وقد تقدم أن الحرف ينبغي أن يجعل معناه مفاده عند الاستعمال وهو أمر جزئي فيكون المعنى الكلي لازم ذلك المعنى. فمن مثلا لما وضعت لمطلق ابتداء لغاية ما مع اعتبار التوصل بها إلى كل ابتداء مخصوص جعل الابتداء المخصوص كالابتداء من البصرة إلى الكوفة هو معنى الحرف ؛ لأنه هو المآل وجعل المعنى الكلي لازمه مع قطع النظر عما اعتبر فيه من التوصل به إلى غيره ، وإن كان هو الموضوع له لكن على أنه مقصود لغيره ، وتقدم أن قصده لذلك المخصوص هو الذي منع من صحة الحكم عليه أو به ؛ لأن ما يقصد للغير لا يستطاع الحكم عليه أو به كالمرآة عند قصدها للصورة فلا يستطاع الحكم عليها ولا بها في تلك الحالة ، وتقدم أن الحامل على ذلك لزوم أحد الأمرين في غير ذلك الاعتبار ، أما كونه منقولا أو مجازا في غير المخصوص إن وضع له وأما كونه كالأسماء في صحة الحكم عليه إن وضع لكلى حال كونه يقصد به لذاته.
وأما من قال معنى وضعه كونه مرصدا للدلالة وليس دالا بالفعل حتى يستعمل مع مدخوله فيلزمه خروجه عن حقيقة الوضع باعتبار ذاته وصحة الحكم عليه عند ذكر متعلقه فاختير فيه الاعتبار السابق ؛ ولذلك قال صاحب المفتاح : المراد بمتعلقات معاني الحروف ما يعبر به عنها عند تفسير معانيها مثل قولنا : من معناها ابتداء الغاية وفي معناها الظرفية. وكي معناها الغرض فهذه ليست معاني الحروف يعني ليست معانيها على الاستقلال بحيث لم يعتبر معها حالة في ذاتها بل هي معانيها على أن يتوصل بها إلى