وذلك مما يزيد في قوة تناسي التشبيه حتى كأن المشبه به هو الموجود فكان ترشيحا ، أي : تقوية للاستعارة فتكون الاستعارة مرشحة ، ثم إن الريح المنفي عنهم ينبغي أن يعلم أنه استعير للثواب والانتفاع الأخروي ، وأن التجارة استعيرت لاتخاذهم ارتكاب الضلالة بدلا عن الهدى دأبا فكونهما ترشيحا إنما هو باعتبار أصل إطلاقهما لا باعتبار المعنى المراد في التركيب.
وبهذا يعلم أن الترشيح وكذا التجريد قد يكونان باعتبار المعنى المراد في الحين ما في قوله : غمر الرداء بالنسبة للتجريد وقد يكونان باعتبار الأصل كما في هذا المثال بالنسبة للترشيح ثم إن هذا التقسيم إنما هو بعد وجود القرينة الدالة على الاستعارة وإلا لم توجد تجريدية بدون الترشيح ، ويلزم ـ أيضا ـ أن لا توجد مطلقة أصلا ؛ وذلك لأن الاستعارة لا بد لها من القرينة والقرينة تلائم المشبه به فلو لم يعتبر التقسيم بعد وجودها كانت ترشيحية دائما إما مع وجود التجريد أم لا.
ويلزم عدم وجود المطلقة ويحتمل أن يعتبر مطلقا فتكون المطلقة الخالية من التجريد والترشيح هي التي قرينتها غير لفظ ، بأن تكون خالية كما مثلنا لهما بذلك فيما تقدم ولا يشترط كون التفريع بصيغته كما ذكرنا ، فلا يرد أن نحو قولك : اشترى فلان صحبة الظلمة بصحبة المساكين ، ولا ربح له فيها خارج عن التفريع والوصف مع أنها مرشحة ، لأن ذلك تفريع ولو لم يكن بصيغة ثم أشار إلى التجريد والترشيح لا مانع من اجتماعهما بقوله : (وقد يجتمعان) أي التجريد والترشيح في استعارة واحدة بأن يذكر معها ما يلائم المشبه فقط ، وما يلائم المشبه به فقط ، وأما ذكر ما يلائمهما معا فليس مرادا وسنذكره وذلك (كقوله : لدى أسد شاكي) (١) أي : تام (السلاح) ولا شك أن تمام السلاح مما يلائم المشبه وهو المستعار له الذي هو الرجل الشجاع فهو أعني شاكي السلاح تجريد (مقذف) أي : مرمي به في الوقائع والحروب ولا شك أن المقذف بهذا المعنى مخصوص بالمستعار له ، فيكون تجريدا أيضا ويحتمل أن المراد به مجرد الوقوع في المقاتلة أو القذف باللحم والرمي به ، فيكون ملائما لهما معا فلا يكون تجريدا ولا
__________________
(١) سبق تخريجه.