ترشيحا بل هو في معنى الإطلاق (له لبد) جمع لبدة وهي ما تلبد وتضام وتطارح من شعر الأسد على منكبيه ولا شك أنها مما يلائم المستعار منه وهو الأسد الحقيقي فهي ترشيح (أظفاره لم تقلم) أي : ليس ذلك الأسد من الجنس الذي تقلم أظفاره فعلى هذا يكون هذا القيد ترشيحا ؛ لأن الأسد الحقيقي هو الذي ليس من شأنه تقليم الأظفار ويحتمل أن يراد مجرد نفي تقليم الأظفار ، فيكون مشتركا ولا يكون ترشيحا ، وإنما قلنا مشتركا لصحة نفي التقليم في بعض أفراد الأسد المجازي وهو الرجل الشجاع ، والتقليم مبالغة في القلم ونفي المبالغة يرد كثيرا في كلام العرب للمبالغة في النفي الذي لا يبقى معه شيء من النفي كقوله تعالى : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)(١) فإنه للمبالغة في نفي الظلم لاستحالته في حقه تعالى لا لنفي المبالغة فيه الذي يصح معه ثبوت شيء منه ، ثم إن إثبات اللبد للرجل الشجاع إن استعمل في معنى صحيح كان استعارة فيه وكان الترشيح فيه باعتبار الأصل كما تقدم في الربح والتجارة ، وإن لم ينقل لمعنى كان ترشيحا باعتبار معناه بلا نقل ، فيؤخذ منه جواز الترشيح بلا معنى معتبر سوى مجرد المبالغة بذكر لوازم المشبه كما يأتي في الاستعارة التخييلية وتناسي التشبيه يقتضي الاعتبار الثاني كما يأتي في قوله : ويصعد إلخ تأمله.
فقد ظهر أن استعارة الأسد في البيت مقارن للتجريد والترشيح قيل والأقرب أن هذا القسم لا يسمى بأحدهما ولا بهما وأنه في مرتبة الإطلاق لتساقطهما بتعارضهما كالسنتين ؛ لأن كلا منهما يشهد في أمر تناسي التشبيه بخلاف ما يشهد به الآخر والخطب في مثل هذا سهل.
(والترشيح) الذي هو ذكر ما يلائم المستعار منه (أبلغ) أي أقوى في البلاغة وأنسب لمقتضى الحال ، وليس المراد به أقوى في المبالغة في التشبيه لأنه معلوم من ذكر حقيقته وإنما كان أقوى في البلاغة ؛ لأن مقام الاستعارة هو حال إيراد المبالغة في التشبيه والترشيح يقوي تلك المبالغة كما لا يخفى فيكون أنسب لمقتضى حال الاستعارة وأحق
__________________
(١) فصلت : ٤٦.