بذلك المقتضى من التجريد والإطلاق لعدم تأكد مناسبتهما لحال الاستعارة وكذا يكون أبلغ من الجمع بين الترشيح والتجريد لأنه في رتبة الإطلاق كما تقدم.
(ومبناه) أي وبناء الترشيح بمعنى إيجاده وتفريعه إنما يكون (على تناسي) أي : إظهار نسيان (التشبيه) ولو كان موجودا في نفس الأمر ويحصل ذلك التناسي بادعاء أن المستعار له هو نفس المستعار منه لا شيء شبيه به ، فإن هذا الادعاء يقتضي أن الموجود في الخاطر هو المستعار منه فيتفرع على ذلك لوازمه لا لوازم المستعار له المقتضية لبقائه في الخاطر ، وما ذكر المصنف من بناء الترشيح على التناسي لا يقتضي أنه لا يبنى على التناسي غيره بل يبنى عليه أيضا غيره كما تقدم في التعجب والنهي عنه بل نفس الاستعارة مبنية على التناسي ، وإنما خص الترشيح بالذكر في هذا البناء لما فيه من شدة ظهور الدلالة على التناسي كما بينا ، وإن كان التعجب والنهي عنه قريبين منه ثم أشار إلى جزئية من جزئيات ما فيه الترشيح لظهور البناء فيه على تناسي التشبيه بقوله : (حتى إنه) أي : فإن الشأن لأجل ذلك التناسي هو هذا وهو أنه (يبنى على علو القدر) الذي يستعار له لفظ علو المكان (ما يبنى على علو المكان) المستعار منه فحتى هنا ابتدائية وذلك (كقوله : ويصعد) (١) ذلك الممدوح ومعلوم أن ليس المراد بالصعود معناه الأصلي وهو الارتقاء في المدارج الحسية والطلوع في الجو إذ لا معنى له هنا وإنما المراد به العلو في مدارج الكمال والارتقاء في الأوصاف الشريفة فهو استعارة من الطلوع الحسي إلى الطلوع المعنوي والجامع مجرد الارتفاع المستعظم في النفوس ، أي : كون الشيء رفيعا أي بعيد التوصل إليه ثم رتب على هذا العلو المستعار له ما يبنى على الارتفاع الحسي تناسيا لتشبيهه بذلك الحسي وأنه ليس ثم إلا الارتفاع الحسي الذي وجه الشبه به أظهر فقال (حتى يظن الجهول) أي يصعد في تلك المدارج إلى أن يبلغ إلى حيث يظن الجهول (بأن له حاجة في السماء) لبعده عن الأرض وقربه من السماء ولا شك أن القريب من السماء وظن أن له حاجة فيها مما يختص بالصعود الحسى فقد بنى على علو القدر المراد
__________________
(١) البيت لأبى تمام في شرح المرشدى على عقود الجمان (٢ / ٤٩) ، وهو فى ديوانه ص ٣٣٥ ط. دار الكتب العلمية ، وفى المصباح ص ١٣٨ والإشارات ص ٢٢٥.