ما يبنى على علو المكان الحسى المستعار منه لفظ الصعود ، وذلك المبنى هو قربه من السماء وظن الجهول أن سفره نحو السماء ؛ لحاجة ؛ لأن السفر أصله قضاء الأوطار ، ومعلوم أن ظن الجهول أن له حاجة في السماء لم ينقل لمعنى فى المستعار له ، وإنما هو ذكر لازم من لوازم المشبه به ؛ لإظهار أنه الموجود في التركيب لا شيء شبه به وبه علم أن الترشيح قد يكون لا لمعنى حاصل في الحالة الراهنة يكون غير معناه الأصلي وليس ذلك من الكذب ؛ لأن الغرض إفادة المبالغة بذكر اللازم وذلك كاف في نفي الكذب.
وهذا الكلام يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون المراد بيان بعد هذا الصعود في الجو لا شيء آخر ويكون للرد على من عسى أن يزعم أن الصعود قريب فكأنه يقول له صعود عظيم ولعلوه هو بحيث يظن فيه الجهول القرب من السماء ويرد عليه أيضا أن صيغة الجهول التي هي للمبالغة لا تناسب ؛ لأنه إذا كان بعده يظن فيه الجهول القرب من السماء أفاد أنه قاصر ؛ لأن الصعود حينئذ باعتبار ذي النظر الصحيح ليس بحيث يظن أن له حاجة في السماء لعدم قربه منه فذلك النظر الصحيح ، ويلزم على هذا أن يكون الجهل وعدمه باعتبار الانتهاء في الصعود وعدمه ، فبالجهل يرى الانتهاء في ذلك الصعود والقرب من السماء ، فيظن ما ذكر وذو النظر الصحيح لا يرى ذلك فلا يظن فعليه يكون الصعود قاصرا في نفسه ؛ لأن العبرة بالنظر الصحيح ، وقصره لا يناسب المدعى وهذا هو الذي اعتبره بعضهم فأورد البحث المذكور.
والآخر : أن يكون المراد الإشارة إلى كمال الممدوح واتصاله بجميع ما يحتاج إليه ، ويكون الانتهاء في الصعود مسلما من كل أحد ، وإنما النزاع في أنه هل بقيت له حاجة في السماء أم لا؟ فذكر أن كثير الجهل هو الذي يتوهم بذلك الارتقاء المفرط أن ذلك لحاجة ، وأما ذو النظر الصحيح فهو يعلم أن ذلك الإفراط في العلو لمجرد التعالي على الأقران لا لحاجة له في السماء لكماله فيتضمن جميع الحوائج وهذا هو المراد ، وبه تعلم مناسبة ذكر الجهول بصيغة المبالغة وأن فيه زيادة مدح فلا يرد كون العلو قاصرا لأنه مسلم ، وإنما النزاع في الحاجة وعدمها فبين أنه إنما يتوهم بقاءها له في السماء كثير الجهل ، والمراد بالحاجة هنا المعتادة للطلب في الأرض ، فلا يرد أن نفي حاجة