وجه صحته؟ احتاج إلى مزيد تقرير لما تقرر بهذا الكلام فأشار إلى أن البلغاء اعتبروه لقصد المبالغة وأنه أحروي بالنسبة إلى ما وقع لهم من تفريع ما هو للفرع على الأصل وهو المشبه مع ذكرهما معا على طريق التشبيه رعاية لكون التشبيه روعي فيه الاتحاد بين الطرفين ، فقرر ذلك بذكر بعض ما وقع لهم بقوله : (وإذا جاز البناء على الفرع) أي المشبه به (مع الاعتراف بالأصل) أي : المشبه وأراد بالبناء على الفرع ذكر ما يلائمه ، وإنما سمي المشبه به فرعا مع أنه أقوى من المشبه غالبا في وجه الشبه وأعرف به ، ومع أنه هو الأصل المقيس عليه وسمى المشبه أصلا ؛ لأن المشبه هو المقصود في التركيب وهو المتحدث عنه إذ هو المخبر عنه في المعنى فإن النفي والإثبات في الكلام يعود إليه ، أي : إلى شبهه فإنك إذا قلت زيد كالأسد فقد أثبت للمشبه شبهه بالأسد وهو المقصود بالذات ، وإذ قلت : ليس كالأسد فقد نفيت شبهه به أيضا بالقصد الأول ، وإن كان ثبوت الشبه أو نفيه للمشبه به حاصلا أيضا لكن تبعا وحيث كان هو المقصود لإفادة أحواله في التراكيب عاد الغرض من التشبيه إليه وهو بيان حاله أو مقداره أو إمكانه أو تزيينه أو تشيينه كما تقدم ، وذلك لأنه هو المجهول أمره ولما كان المشبه بهذه المنزلة سماه أصلا وسمي المشبه به فرعا ؛ لأن ما يستفاد له في التركيب تابع لما يستفاد للمشبه كتبعية الفرع للأصل (كما في قوله) أي : ومثال ما بني فيه على الفرع الذي هو المشبه به مع الاعتراف بالأصل الذي هو المشبه قوله : (هي الشمس) (١) أي : هذه المحبوبة نفس الشمس ، فقد اعترف بالأصل وهو الضمير وبنى على الفرع وهو الشمس قوله : (مسكنها في السماء) وإذا كان مسكنها في السماء (فعز الفؤاد) أي فاحمل فؤادك على العزاء وهو الصبر فقوله : عز فعل أمر من عزاه حمله على الصبر (عزاء جميلا) وهو العزاء الذي لا قلق معه ولا تطلب ، وذلك بالتنبه لعدم إمكان الوصول فإن طلب ما لا يمكن ليس من العقل في شيء ثم أكد بيان عدم إمكان الوصول بسبب كونها في السماء بقوله : (فلن تستطيع إليها الصعود) أي : فإنك لا تستطيع أنت الصعود إلى تلك
__________________
(١) البيت فى شرح عقود الجمان (٢ / ٤٩) ، وهو لعباس بن الأحنف ، وفى ديوانه ص (٢٢١) ، وفي المصباح ص (١٣٩) ، وأسرار البلاغة (٢ / ١٦٨).