المتقابلان معناهما ذكرا موجبين (كما مر) في نحو (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ) فقد ذكرت اليقظة والرقاد بطريق الإثبات.
(و) ثانيهما (طباق السلب) وهو داخل في التعميم السابق في التقابل وذلك بأن يجمع بين فعلي مصدر واحد أحدهما مثبت والآخر منفي ، فيكون التقابل بين الإيجاب والسلب ، لا بين مدلولي الفعلين ، أو يجمع بين فعلين أحدهما نهي والآخر أمر فإن النهي دال على طلب الكف عن الفعل والأمر دال على طلب الفعل ، والفعل والكف متضادان ، فيكون التقابل باعتبار الفعل والترك لا باعتبار مصدر الفعلين لاستوائه ، وإنما جعل هذا من السلب والإثبات ؛ لأن المطلوب في أحدهما من جهة المعنى سلب ، وفي الآخر إثبات ؛ فالأول وهو أن يجمع بين فعلي مصدر واحد أثبت أحدهما وسلب الآخر (نحو) قوله تعالى (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا)(١) فإن العلم الأول منفي والثاني مثبت ، وبين الإثبات والنفي فيهما تقابل في الجملة أي : باعتبار أصلهما لا باعتبار الحالة الراهنة ؛ لأن المنفي علم ينفع في الآخرة ، والمثبت علم لا ينفع فيها فلا تنافي بين الإثبات والنفي فيهما (و) الثاني : وهو أن يكون أحدهما أمرا والآخر نهيا (نحو) قوله تعالى (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ)(٢) ومن المعلوم أن الخشية لا يؤمر بها وينهى عنها من جهة واحدة ، بل من جهتين كما في الآية ، فقد أمر بها باعتبار كونها لله تعالى ، ونهى عنها باعتبار كونها للناس فالتنافي بين الأمر والنهي أيضا باعتبار أصلهما لا باعتبار مادة استعمالهما ، فإنه لا يوجد إلا فرضا وتقديرا. (ومن الطباق) نوع سماه بعضهم تدبيجا ، والتدبيج من دبج المطر الأرض زينها ، وأصله الديباج وهو الحرير شبه به ما وجد بالمطر من ألوان النبات ، وفسره ذلك البعض بأن يذكر في معنى من المدح أو غيره ألوانا لقصد إيجاد الكناية في تلك الألوان أو في بعضها أو لقصد التورية كذلك وأراد بالألوان ما فوق الواحد ؛ لأن الأمثلة اشتملت على التدبيج باثنين ، ولا شك أن هذا المسمى بالتدبيج داخل في الطباق ؛ لأن
__________________
(١) الروم : ٦ ، ٧.
(٢) المائدة : ٤٤.