عقلا ضرورة أن الممكن عادة ممكن عقلا ولا ينعكس كليا أي ليس كل ممكن عقلا ممكنا عادة لأن دائرة العقل أوسع من العادة.
(فهو) أي : فادعاء بلوغ الشيء إلى تلك المنزلة وهو أن يكون الشيء غير ممكن عقلا المستلزم لكونه غير ممكن عادة (غلو) أي : يسمى بالغلو لما تقدم وذلك (كقوله) أي : أبي نواس (وأخفت أهل الشرك) (١) أي أدخلت في قلوبهم الرعب ببطشك وهيبتك (حتى إنه) أي : حتى إن الأمر والشأن هو هذا وهو قوله (لتخافك النطف) جمع نطفة وهي الماء المخلوق منه الإنسان (التي لم تخلق) أي النطف التي لم يخلق منها الإنسان بعد أو لم تخلق هي بنفسها أي لم توجد فقد بالغ في إخافته أهل الشرك حتى صيره تخافه النطف التي لم توجد أصلا أو لم يوجد إنسانها بعد ومعلوم أن خوف النطف محال لأن شرط الخوف عقلا الحياة فيستحيل الخوف من الموجود بدونها فضلا عن خوف المعدوم ، فهذه المبالغة غلو فمنه المردود مثل هذا المثال لعدم اشتماله على شيء مما يأتي من موجبات القبول ومنه المقبول.
(والمقبول منه) أي من ذلك الغلو (أصناف منها) أي من تلك الأصناف (ما) أي صنف (أدخل عليه) أي ما اشتمل الغلو فيه على (ما) أي لفظ (يقربه) أي يقرب ما وقع فيه الغلو (إلى الصحة) لأن في ذلك اللفظ عدم التصريح بوقوع ذلك المحال وذلك نحو لفظه يكاد في قوله تعالى (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) (٢) فإن إضاءة الزيت إضاءة كإضاءة المصباح محال عقلا ، فلو قيل في غير القرآن مثلا : يضيء هذا الزيت بلا نار. لرد وحيث قيل يكاد يضيء أفاد أن المحال لم يقع ولكن قرب من الوقوع مبالغة ومعنى قرب المحال من الوقوع توهم وجود أسباب الوقوع وقرب المحال من الوقوع قريب من الصحة ؛ إذ قد تكثر أسباب الوهم المتخيل بها وقوعه ولو كان لا يقع فلفظ كاد لما دل على القرب ، والقرب قريب من الصحة لما ذكر أن المحال قد
__________________
(١) البيت لأبى نواس فى ديوانه ص (٤٥٢) ، والطراز (٢ / ٣١٤) ، والمصباح ص (٢٢٩) ، وشرح المرشدى على عقود الجمان (٢ / ١٠٠).
(٢) النور : ٣٥.