يقربه الوهم لأسباب جاءت المبالغة مقبولة في الغلو فإن قيل : قرب المحال من الوقوع محال في نفسه فيحتاج في ادعائه المفاد يكاد إلى ما يقربه وذلك يؤدي إلى التسلسل.
قلنا : قرب المحال من الوقوع لما فسر بما ذكر صار ليس بمحال ، وعلى تسليمه فيجعل كأنه أمر ضروري في بعض الصور لما ذكر من توفر أسباب توهمه واقعا ، فقيس على بعض الصور غيره لأن الباب باب المبالغة يتسمح فيه فلا يطلب له حيث عد قريبا بالضرورة مقرب آخر تأمله.
قيل : وينبغي لما مثل بالآية أن يقول بدل قوله يقربه إلى الصحة لا يظهر معه الامتناع تأدبا ، وهو كذلك ثم إن ما ذكر من كون إضاءة الزيت محالا عقلا غير ظاهر لصحة اتصاف كل جسم بما اتصف به الآخر ، اللهم إلا أن يراد بالاستحالة العقلية الاستحالة في عقول العامة ، أو يراد بالزيت الزيت بقيد كونه غير مضيء ، كما هو المشاهد وفي كل ذلك تمحل باعتبار إطلاقهم التفصيل ؛ لأن الظاهر منه الاستحالة الحقيقية المتقررة على الإطلاق وإلا فإكرام الجار نائيا أبدا باعتبار عقول العامة محال ، وكذا بقيد كونه غير مكرم كما هو في العرف والشهود.
(ومنها) أي : ومن الأصناف المقبولة من الغلو (ما) أي : الصنف الذي (تضمن نوعا حسنا من التخييل) أي : تخييل الصحة لكون ما اشتمل على الغلو يسبق إلى الوهم إمكانه لشهود شيء يغالط الوهم فيه فتتبادر صحته كما يذاق من المثال وقيد بقوله حسنا إشارة إلى أن تخييل الصحة لا يكفي وحده إذ لا يخلو عنه محال حتى إخافة النطف فيما تقدم وإنما المعتبر ما يحسن لصحة مغالطة الوهم فيه بخلاف ما يبدو انتفاؤه حتى للوهم بأدنى التفات كما في إخافة النطف ، فليس التخييل فيه على تقدير وجوده فيه حسنا فلا يقبل لعدم حسنه ، ثم مثل لما يتضمن النوع الحسن من التخييل فقال (كقوله) أي : كقول المتنبي (عقدت سنابكها) (١) أي حوافر الخيول الجياد (عليها) أي فوق رؤوسها (عثيرا) مفعول عقدت أي أثارت سنابك الخيل عثيرا : بكسر العين وسكون الثاء المثلثة وفتح الياء المثناة وهو الغبار من الأرض وأكثرت إثارته حتى انعقد
__________________
(١) البيت للمتنبى فى شرح التبيان للعكبرى (٢ / ٤٥٦) ، والإشارات (٢٧٩) ، وشرح المرشدى (٢ / ١٠٠).