فيه من الأوصاف ، إلا إن كان الكرم عيبا وهو محال بخلاف قولنا أنا أفصح الناس بيد أني من بني فلان الفصحاء ، فلا معنى للتعليق فيه فإن قلت : ما المانع أن يقدر في المثال وشبهه إلا أن يكون كوني من بني فلان مخلا بالفصاحة ، فيثبت لي إخلال بها ، فحينئذ يفيد التأكيد من الوجه الأول أيضا؟ قلت : يمنع من ذلك كون ذلك غير معتبر في استعمال البلغاء ، وإلا لصرح به يوما ما ولو قيل : أنا أفصح الناس إلا أني من بني فلان إن كان ذلك مخلا بالفصاحة ، كان ركيكا ، بخلاف التعليق بعد العموم كما تقدم.
فإن قلت قد بين المصنف أن إفادة التأكيد بالوجه الثاني متوقف على كون الأداة للاستثناء ؛ ليستشعر أصله من الاتصال فيستشعر أنه ما عدل عنه إلا لعدم إمكانه ، فيجيء التأكيد وهو متوقف على تأويل ، نحو : أنا الناس أفصح إلا أني من بني فلان على تقدير العموم ، أي : لا شيء يخل بفصاحتي ، وإذا قدر كذلك أفاد التأكيد بالوجه الأول أيضا ؛ لأنه إن لم يقدر العموم هكذا فإما يقدر عموم الإثبات أي : لي كل موجب للفصاحة إلا هذا ، وهو تناقض وإن لم يقدر العموم أصلا كان من باب ذكر المدح بعد المدح ، كأن يقال : أنا أفصح الناس وأنا لي موجب زيادة الفصاحة ، وليس هذا من تأكيد المدح بما يشبه الذم في شيء. قلت من حيث إن الأداة أداة الاستثناء يراعى لها ما يصحح أصلها من الاتصال ، فيقدر العموم فتفيد بالوجه الثاني.
ومن حيث إن العموم لم يوجد في اللفظ ألغى تقديره المصحح للإفادة بالوجه الأول ؛ لما فيه من التحمل كما تقدم. فلم تفد بالأول تأمل. وقد أطلت هنا لما رأيت من الحاجة لهذه المباحث في تحقيق المحل والله الموفق.
(ولهذا) أي : ولأجل أن التأكيد في هذا الضرب الذي هو أن يثبت لشيء صفة مدح ، وتعقب تلك الصفة بآلة الاستثناء بعدها صفة مدح لذلك الشيء ، إنما يكون ذلك التأكيد من الوجه الثاني فقط ، وهو الإشعار بأنه طلب صفة ذم ، فلم يجدها ، فاضطر لاستثناء صفة مدح (كان) أي ولأجل ذلك كان الضرب (الأول) المفيد للتأكيد من الوجهين أحدهما ما ذكر ، والآخر ما تقدم ، وهو ما فيه من كون التعليق فيه كدعوى الشيء ببينة (أفضل) ، أي لأجل ذلك كان الأول أفضل من الثاني (ومنه) أي