القيلولة فيها والنزول فيها موحشة ، وأنا لو وجدت أهلها فيها ما كان مقيلها موحشا ، وإن لم يكن ذلك النزول وذلك التعريج إلا شيئا قليلا فهو نافع لي يذهب بتذكر الأحباب فيه بعض همي ويشفي غليلي ويرفع حزني ووجدي.
ثم شرع في أمثلة المتجانسين وهي أربعة كما تقدم فقال (و) الأول من أمثلة المتجانسين وهو ما يكون فيه المجانس الآخر منهما في صدر المصراع الأول ك (قوله :
دعاني من ملامكما سفاها |
فداعي الشوق قبلكما دعاني) (١) |
فدعاني الأول بمعنى اتركاني وهو في صدر المصراع الأول ، والثاني وهو في العجز بمعنى الدعوة ، والسفاه بفتح السين الخفة وقلة العقل ويروى بكسر الشين المعجمة بمعنى المشافهة والمواجهة بالكلام ، والمعنى اتركاني من لومكما الواقع منكما لأجل سفهكما وقلة عقلكما أو الواقع منكما مشافهة من غير استحياء ، فإني لا ألتفت إلى ذلك اللوم لأن الداعي للشوق الموجب لغلبته عليّ قد دعاني لذلك الشوق وناداني إليه فأجبته فلا أجيبكما بعده ، وذلك الداعي للشوق هو جمال المشتاق إليه.
(و) الثاني منها وهو ما يكون فيه المجانس الآخر منهما في حشو المصراع الأول ك (قوله :
وإذا البلابل أفصحت بلغاتها |
فانف البلابل باحتساء بلابل) (٢) |
فالبلابل الأول في حشو المصراع الأول ، ولم يجعل مما كان في صدره ؛ لتقدم إذا عليه وهو جمع بلبل وهو طائر معروف حسن الصوت والبلابل الثاني في العجز كما رأيت وهو جمع بلبلة بضم الباءين واللام وهي إناء من خمر ، واحتساء الخمر شربها ، والمعنى أنه يأمر بشرب آنية الخمر لدفع الأحزان وهي المرادة بالبلابل المتوسطة وهي التي حركها إفصاح الطائر بلغته أي : إظهاره لها ؛ لأن الصوت الحسن مما يحرك الأشواق ويقوي الدواعي إلى التلاق ، والمثال باعتبار لفظ البلابل الأول مع البلابل الآخر وأما
__________________
(١) البيت للقاضى الأرجانى ، فى الإيضاح ص (٣٢٩).
(٢) البيت للثعالبي ، فى شرح المرشدى على عقود الجمان (٢ / ١٥٢ ، ١٥٣) ، وبلا نسبة فى نهاية الإيجاز ، وفى الإشارات ص (٢٩٦).