فيخزن في حشو المصراع الأول كما رأيت وهو مشتق مع خزان الذي في العجز من الخزن ، والمعنى أن الإنسان إذا لم يحفظ لسانه على نفسه فلا تثق به في أمرك ؛ لأنه لا يخزن لسانه أي : لا يحفظه بالنسبة إلى غيره من باب أحرى بأن كان الضرر مما يتكلم به عائدا على ذلك الغير ؛ لأنه لم يتحافظ فيما يضره بنفسه فكيف فيما لا يضره بنفسه ، وإنما يضر غيره.
ثم أشار المصنف إلى مثال من أمثلة الملحقين بشبه الاشتقاق قبل استكمال أربعة الملحقين اشتقاقا ولم يأت للملحقين بشبه الاشتقاق إلا به فينبغي لنا أن نسوقه على نمط ما قررنا به الأمثلة السابقة لينتظم الكلام ونكمل أمثلة هذا القسم تكميلا للفائدة ثم نفسر كمال أمثلة الملحقين اشتقاقا فنقول (و) أما أمثلة الملحقين بشبه الاشتقاق فأحدها وهو ما كان فيه الملحق الآخر منهما بشبه الاشتقاق في حشو المصراع الأول ك (قوله : لو اختصرتم من الإحسان) (١) أي : لو تركتم كثرة الإحسان ولم تبالغوا فيه بل أتيتم بما يعتدل منه (زرتكم) ولكن أكثرتم من الإحسان فهجرتكم لتلك الكثرة لخروجها عن الاعتدال (والعذب) أي : ولا غرابة في هجران ما يستحسن لخروجه عن حد الاعتدال الذي لا يطاق ؛ لأن الماء العذب الذي هو مطلوب في أصله قد (يهجر للإفراط في الخصر) أي : في تجاوزه الحد في الصفة المستحسنة منه وهو خصره بفتح الخاء والصاد أي برودته فقوله : اختصرتم مع الخصر بينهما شبه الاشتقاق ؛ لأنه يتبادر كونهما من مادة واحدة وليس كذلك فإن الأول وهو الواقع في الحشو لسبق لو عليه مأخوذ من مادة الاختصار الذى هو ترك الإكثار ، والثاني مأخوذ من خصر أي : برد ، لا يقال لا مادة للخصر ؛ لأنه نفسها إذ هو مصدر فليس هنا شبه اشتقاق بل تجانس إذ لم يؤخذ من شيء حتى يتبادر كونهما من أصل واحد ؛ لأنا نقول يكفي فيه رعاية كونه مأخوذا من الفعل على قول إذ التبادر يكفي فيه التوهم ، وهذا بناء على أن له فعلا ، فإن قلت : فهل هذا البيت مدح أو ذم؟ قلت : يحتملهما ؛ لأنه إن أراد بكثرة الإحسان أنهم أكثروا حتى تحقق منهم جعلهم ذلك في غير المحل سفها فهجرهم لأفعالهم
__________________
(١) البيت للمعرى فى سر الفصاحة ص (٢٦٧) ، والمصباح ص (١١٤).