بعد أخرى موالية لها (أقصر منها) أي من الأولى (كثيرا) وإنما قال كثيرا احترازا مما إذا أتى بالقصرى بعد الطولى ولكن قصر الثانية قليل فإنه لا يضر ، وقد ورد في التنزيل كقوله تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ)(١) فإن الأولى من تسع كلمات بحرفي الجر والاستفهام والثانية من ست ولم يضر فيؤخذ منه أن الزيادة بالثلث لا تضر ، بخلاف ما إذا قصرت الثانية كثيرا فإنه يقبح ؛ لأن السجع قد استوفى أمده في الأولى بطوله فاعتبر ذلك الأمد فصار هو أمده المطلوب في الأخرى ، فإذا أتى بها قاصرة قصرا كثيرا صار السمع كمن يريد الانتهاء إلى غاية ثم يعثر دونها ففاجأه خلاف ما يرتقب وهو مما يستقبح وذلك كما لو قيل خاطبني خليلي وشفاني بكلامه الذي هو كالجوهر النفيس ، فاقتضيت به أحسن تنفيس والذوق السليم شاهد بقبح ذلك ، ثم أشار إلى أمر يرتكب في اكتساب حسن السجع وبين أنه مغتفر حتى صار أصلا فقال (والأسجاع مبنية على سكون الأعجاز) أي الأصل الذي يرتكب ويغتفر لتحصيل الأسجاع ولتكثيرها هو سكون الأعجاز بالوقف ولذلك كثر اكتساب حسن الأسجاع ، ولو اعتبر مع الإعراب قل اكتسابه وقل اتفاقه ، فإذا كانوا يترخصون لحسن المزاوجة في الخروج عن موضوع اللفظ كقولهم الغدايا والعشايا بدلا عن الغدوات لمزاوجة العشايا فلا يغتفر ، والوقف والخروج عن الإعراب لكونه صحيح الاعتبار لاكتساب حسن ازدواج السجع أولى وأحرى ويعني بالأعجاز أواخر فواصل القرائن فإذا اعتبرت ذلك كثر وجود السجع وذلك (كما في قولهم ما أبعد ما فات) لأن ما فات من الزمان ومن الحادث فيه لا يعود أبدا (وما أقرب ما هو آت) لأنه لا بد من بلوغه وحينئذ كأن لم ينتظر فصار كالقريب وهذا من السجع عندهم مبنيا على سكون عجز الفاصلتين باعتبار جعل الوصل في حكم الفصل ولو لا ذلك لم يكن من السجع ؛ لأن تاء فات لو لا الوقف كانت مفتوحة وتاء آت لو أعربت كانت مكسورة فأخذ مما ذكر أن الاستواء في هيئة حرف السجع لا بد منه إعرابا أو سكوتا (قيل ولا يقال في القرآن أسجاع) بمعنى أنه ينهى عنه لا لعدم وجوده في نفس الأمر ؛ بل لرعاية
__________________
(١) الفيل : ١ ـ ٢.