فقد بدل كل لفظ من التركيب بمرادفه والمعنى لست أهلا للمكارم والمعالي فدعه لغيرك واقنع بالمعيشة وهو مطلق الأكل والتستر باللباس فإنك تناله بلا طلب يشق كطلب المعالي على أنه لو قيل هكذا لم يخل اللابس مكان الكاسي من قبح الثقل الوزني ومثال تبديل البعض قول طرفة في قصيدته الدالية :
وقوفا بها صحبي على مطيهم |
يقولون لا تهلك أسى وتجلد (١) |
فإنه بيت امرئ القيس ولم يزد فيه على تبديل تجمل بتجلد ، ووقوفا من الوقف الذي هو الحبس بدليل تعديه إلى المطي ، لا من الوقوف اللازم أي : نبك حال كون أصحابي واقفين أي حابسين مطيهم علي يقولون لا تهلك بالحزن ، وتجمل أي ادفع ذلك الأسى بالتجمل والصبر ، ويجري مجرى تبديل البعض ، أو الكل في القبح بالمرادف تبديله بالضد لقرب تناوله كما لو قيل في قول السيد حسان :
بيض الوجوه كريمة أحسابهم |
شم الأنوف من الطراز الأول (٢) |
|
سود الوجوه لئيمة أحسابهم |
فطس الأنوف من الطراز الآخر |
ثم أشار إلى مفهوم قوله من غير تغيير لنظمه بقوله (وإن كان) أخذ اللفظ كله (مع تغيير لنظمه) أي : لنظم اللفظ ، والمراد بتغيير النظم هنا أن يدل على المعنى الأول ، أو على بعضه بوجه آخر بحيث يقال : هذا تركيب آخر سواء كان بتبديل نوع التركيب كتبديل جملة شرطية مثلا بغيرها ، أو بدون ذلك إما مع إفادة المعنى مثلا بطريق اللزوم إن أفيد أولا صراحة وهو الأكثر ، أو بدون ذلك ويدل على أن هذا هو المراد ما يأتي من الأمثلة ثم ما يكون بتغيير النظم إما أن يكون مع أخذ كل اللفظ (أو) مع (أخذ بعض) ذلك (اللفظ) لا كله (سمى) أي : إن كان الأخذ مع تغيير النظم سمى ذلك (إغارة) ؛ لأنه أغار على ما هو للغير فغيره عن وجهه (و) سمى أيضا (مسخا) ؛ لأنه بدل صورة ما للغير بصورة أخرى ، والغالب كونها أقبح والمسخ في الأصل تبديل صورة
__________________
(١) البيت لطرفة بن العبد فى ديوانه ص (٢٢) ، ط دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع ببيروت.
(٢) البيتان لحسان بن ثابت ـ رضى الله عنه ـ ، فى شرح المرشدى (٢ / ١٧٨).