بما هو أقبح منها ثم الكلام الذي هو متعلق هذا الأخذ المسمى بالإغارة ثلاثة أقسام ؛ لأن ذلك الكلام إما أن يكون أبلغ من الأول فيكون مقبولا غير مذموم ، أو يكون أدنى فهو مذموم غير مقبول ، أو يكون مثلا الأول فهو أبعد من الذم وأقرب إلى القبول ، فأشار إلى هذه الأقسام على هذا الترتيب ، فقال : (فإن كان) الكلام (الثاني) أي : الذي هو متعلق الأخذ المذكور (أبلغ) من الكلام الأول المأخوذ منه (لاختصاصه) أي : لاختصاص الثاني عن الأول (بفضيلة) لم توجد في الأول كحسن السبك الذي هو البعد عن أحد التقييدين اللفظي والمعنوي وكالاختصار حيث يناسب المقام وكالإيضاح لمعنى هو مظنة الغموض وهذا يدخل طرف منه في حسن السبك البعد عن التقييد وهو ترك الغموض الذي هو ليس من غرابة اللفظ بل كالخلل في اللزوم ، وإن شئت قلت يدخل في حسن السبك الاختصار بناء على أنه هو جودة اللفظ في الجملة أو زيادة معنى يناسب المقام لم يوجد في الأول (فممدوح) أي : إن اختص الثاني بمثل بعض هذه الفضائل فذلك الثاني ممدوح مقبول ؛ لأن تلك الزيادة أخرجته إلى طرف من فضاء الابتداع وذلك (كقول بشار : من راقب الناس) (١) أي راعاهم وحاذرهم فيما يكرهون فيتركه وفيما يبتغون فيقدم عليه (لم يظفر بحاجته) كلها ؛ لأنه ربما كرهها الناس فيتركها ، لأجلهم فتفوت مع شدة شوقه إليها (وفاز بالطيبات الفاتك اللهج) أي : من لم يراقبهم ولم يبالهم بالة فاز بالظفر بالطيبات الحسية كالظفر بالمعشوق والمعنوية كشفاء غيظ النفوس بالأخذ بالثأر وهذا الذي لا يراقب الناس هو الفاتك أي المقدم على القتل ، أو غيره من غير مبالاة بأخذ اللهج أي : الملازم لمطلوبه الحريص عليه من غير مبالاة قتلا كان أو غيره (وقول سلم) أي : كقول بشار مع قول سلم الخاسر وسمي خاسرا ؛ لأنه ورث مصحفا من أبيه فباعه فاشترى به عودا يضرب به (من راقب الناس مات غما) (٢) أي : لم يصل لمراده فيبقى مغموما من فوات المراد ويشتد عليه الغم كشدة الموت فقد دل على فوات الحاجة بموت الغم الذي هو أخص منه ولذلك قلنا إن تغيير
__________________
(١) البيت لبشار ، فى ديوانه ص (٦٠) ، وأورده الجرجانى فى الإشارات ص (٣٠٩).
(٢) البيت لسلم الخاسر ، فى الأغانى (٣ / ١٩٦) ، (٧ / ٧٢) ، وشرح عقود الجمان (٢ / ٧٨) ، والإشارات (٣٠٩).