النظم يكون بالدلالة على المعنى بغير وجهه الأول (فاز باللذة الجسور) والجسور هو الشديد الجراءة فهو بمعنى الفاتك اللهج وهو أصرح في المعنى وأخص.
فالمعنى في البيتين واحد وهو أن من لا يراقب الناس بفوز بالمرغوب ومن راعاهم فاته المطلوب لكن بيت سلم أجود سبكا لدلالته على المعنى بلا حاجة للتأمل بما هو أخص وأفصح وأخصر لفظا كما لا يخفى ، وما بين هذين البيتين ظاهر كما ذكروا وفى نفسي أن لفظ الفاتك اللهج أحسن من لفظ الجسور ولفظ الطيبات أحسن من لفظ اللذة.
والاختصار قد يدعي عدم مناسبة لأن الغرض التوصية بترك مراقبة الناس وذلك يناسبه البسط الدال على الاهتمام والتأكيد فانظره.
(وإن كان) الكلام الثاني (دونه) أي دون الأول في البلاغة والمراد بالبلاغة هنا ما يحصل به الحسن مطلقا لا خصوص البلاغة المعلومة بدليل الأمثلة وإنما يكون دونه بفوات فضيلة وجدته في الأول (فهو) أي : فالكلام الثاني (مذموم) إذا لم يصحبه شيء يشبه به أن يكون مبتدع الحسن بل هو نفس الأول مع رذيلة إسقاط ما في الأول من الحسن وذلك (كقول أبي تمام) في مرثية محمد بن حميد (هيهات) (١) أي : بعد ما تبين من إتيان الزمان بمثل الممدوح بدليل قوله (لا يأتي الزمان بمثله) أي بمثل هذا المرثي الممدوح (إن الزمان بمثله لبخيل) هو كجواب سؤال مقدر ، كأنه قيل : لماذا لا يأتي الزمان بمثله هل لأنه بخيل بمثله أو لاستحالة مثله فقال إن الزمان بمثله لبخيل ، فالتأكيد هنا بأن ؛ لأن المقام مقام أن يتردد ويسأل هل بخل الزمان بمثله أو لم يبخل؟ بل استحال ولما كان هذا معنى الكلام ، وهو يشعر بإمكان المثل ، لكن منع من وجوده بخل الزمان ، ورد هنا أن الكلام قاصر ، وأن صوابه التعبير بما يفيد الامتناع لا بما يفيد الإمكان إلا أنه منع من الوجود عارض هو بخل الزمان ، وأجيب بأن بخل الزمان عبارة عن الامتناع ، أي : نفي الإتيان ، فهو كناية ؛ لأن البخل بالشيء يستلزم انتفاء فعله ، ويؤيده قوله : لا يأتي الزمان بمثله ، فكأنه قال : إن الزمان يستحيل في حقه الإتيان به ، وفيه تعسف ، ونسبة التأثير
__________________
(١) البيت لأبى تمام فى شرح ديوانه ص (٣٦٣) ، والإشارات ص (٣٠٩) ، وشرح عقود الجمان (٢ / ١٧٩).