الزمان من الموحد لا يضر ؛ لأن المراد به تلبسه بالفعل ، وذم بالفعل أو مدحه به لا يضر من الموحد أيضا ؛ لأنه ينزل منزلة العاقل المكتسب ، وهو يدل على اكتسابه شرعا وطبعا ، فلذلك تجد أهل العلم لا ينكرون الإنكار على الزمان ، ولو كان المراد أن الزمان مؤثر حقيقة ثم يذم على تأثيره لكان كفرا ، وما ورد" يسب ابن آدم الدهر ، وأنا الدهر أقلب الليل والنهار" (١) يحتمل أن يراد به يسبون الزمان ويعتقدون أنه مؤثر ، وأنا المؤثر في الحقيقة ، فكأنهم سبوا المؤثر حين سبوا الزمان من حيث إنه مؤثر تسخطا للأقدار ، ويحتمل أن يراد : يتسخطون الأقدار ، ويسبون بها الزمان مع علمهم أن لا تأثير له ، ولا ينفعهم في نفي الاسم بالتسخط نسبتهم الأقدار للزمان ؛ لأنها لي ، وهم يعلمون. وعلى كل حال فساب الدهر على أنه مؤثر مخطئ ؛ لأنه إن عنى أنه المؤثر دون الإله فظاهر ، وإن عنى أنه مشارك فكذلك ، وإن عنى سب مطلق المؤثر فالكفر ظاهر ، ويحتمل أن يكون ما ورد على معنى الإنكار على الغافلين مطلقا ، وأنه لا ينبغي أن يسب على الفعل مطلقا ؛ لأني أنا الفاعل في الحقيقة ، ولكن هذا يعارضه إذن الشرع في سب المكلف فما ينزل منزلته كهو تأمله.
(وقول أبي الطيب) أي : كقول أبي تمام الذي هو الأصل مع قول أبي الطيب الذي هو المأخوذ :
(أعدى الزمان سخاؤه فسخابه |
ولقد يكون به الزمان بخيلا) (٢) |
فقول أبي الطيب : ولقد يكون به الزمان بخيلا ، مأخوذ من قول أبي تمام : إن الزمان بمثله لبخيل ، وظاهر أن الأول أحسن من الثاني ؛ لأن الثاني عبر بصيغة المضارعة ، والمناسب صيغة المضى كما دلت عليه الجملة الاسمية في الأول ؛ لأن أصلها الدلالة على الوقوع مع زيادة إفادتها الدوام والثبوت ، وإفادة الثانية التقليل بظاهر قد مع المضارع ، وأيضا المراد أن الزمان كان بخيلا به حتى أعداه بسخائه ، فلا تناسب المضارعة ؛ إذ لا معنى لكونه جاد به الزمان وهو يبخل به في المستقبل ؛ لأنه بعد الجود به خرج عن
__________________
(١) رواه البخارى ، ولكن بلفظ : يؤذيني ابن آدم ، يسب الدهر ، وأنا الدهر ، بيدى الأمر ، أقلب الليل والنهار".
(٢) البيت للمتنبى فى شرح ديوانه (١ / ١٩٠) ، وشرح عقود الجمان (٢ / ١٧٩) ، والإشارات (٣٠٩).