تصرفه وحمله على معنى ولقد يكون الزمان بخيلا في المستقبل بإهلاكه لما فيه من نظام العالم تكلف لا دليل عليه ، ومع ذلك فمصراع أبي تمام أحسن منه ، لاستغنائه عن هذا التكلف ، فعلى تقدير التصحيح بما ذكر لا يخرج به عن المفضولية ، ولا يضر في كونه مأخذوا منه كون البخيل في الأول متعلقا بالمثل ، وكونه في هذا متعلقا بنفس الممدوح ؛ لأن المصراعين اشتركا في الحاصل ، ولو اختلف الاعتبار ؛ إذ الحاصل من الثاني أن وجود هذا الممدوح من الزمان لا يكون إلا على الانفراد لبخله به ، فلم يوجد منه إلا بسبب خاص ، وقد اشترك المعنيان في انفراد وجود الممدوح من الزمان وبخله بمثله ، وبه يعلم أنه لا يضر في الأخذ تغاير في المعنى ، والتعبير إذا وقع الاشتراك في الحاصل ، ولو مع زيادة شيء ؛ إذ لو اشترط الاتحاد في المعنى من كل وجه لم يكن المصراع الثاني مأخوذا من الأول على كل تقدير ، مما يفسر به هنا ؛ لأنا إن فسرنا البيت الثاني بمعنى أن الزمان كان بخيلا به أولا ، ثم أعداه ، أي : أعدى الزمان ، جود الممدوح بأن تعلق به في عدم الممدوح ، فصار الزمان ساخيا به ، ولو لا سخاؤه الذي أعدى الزمان لبخل بمثله على الدنيا ، ولاستبقاه لنفسه ـ فهو يفيد أن الذي بخل به أولا هو نفسه ، وكلام أبي تمام يفيد أن الذي بخل به هو مثله فالمعنيان مختلفان ولو اتحدا المآل ، والحاصل كما قررنا أن البخل به إلا لسبب خاص يفيد البخل به ؛ لانتفاء ذلك السبب كما قررنا ، والبخل بمثله مع وجوده يفيد البخل به إلا لسبب خاص ، وهذا تأويل ابن جني ، ويلزم فيه أن قوله أعدى الزمان سخاؤه من باب الغلو كما تقدم في قوله :
حتى إنه لتخافك النطف التي لم تخلق.
لأن الجود لم يوجد قبل وجود الممدوح حتى بعدي الزمان ، ولهذا عدل عنه ابن فورجة ، وإن فسرناه بما قال به ابن فورجة فرارا من هذا اللازم وهو أن المراد أن الممدوح كان موجودا سخيا ، وكان الزمان بخيلا بإظهاره لي وهدايتي له لعزازة أموره عند الزمان ، فلما أعدى الزمان سخاء ذلك الممدوح جاد على به ، أي : بالاتصال به ، والوقوف عليه بعد خفائه عنى ، فالمعنى : أن الزمان هداني إليه بعد البخل بالهداية فعرفته ، وأغناني كأن المعنى : ولقد كان الزمان بخيلا بإظهاره ، وهو مخالف للبخل بإيجاد مثله