أيضا ، فعلى هذا التقدير أيضا لا يكون مأخوذا من الأول ، ولكونه أظهر في عدم الأخذ لم يتعرض له في الشرح ، ويرجع المعنى على هذا التقدير إلى حاصل واحد أيضا ؛ لأنه إذا بخل بإظهار وجوده لي لعزازته فهو بخيل بفائدته اللازمة لوجوده إلا لسبب ، فيلزم البخل بوجوده ؛ لأن نفي اللازم يستلزم انتفاء الملزوم ، فنفي فائدته كنفيه باعتباره ، فيؤخذ منه أن من شأنه مع فائدته البخل به ، إلا لسبب خاص ، فيلزم البخل بأمثاله لانتفاء السبب ، وأيضا يشتركان في البخل بالشيء لعزازته في الجملة ، وهو يكفي في الاتفاق ، وإن فسرناه كما تقدم بأن الزمان جاد به ، وهو بخيل في المستقبل بإهلاكه ، فهو أظهر في المخالفة ، لكن يرجع إليه على هذا التقدير أيضا ؛ لأنهما قد اشتركا أيضا في عزازة شيء خاص عند الزمان بسبب خاص ، ولذلك انفرد حتى بخل بإهلاكه للحاجة إليه وحده ، وإن شئت قلت : لأنه يلزم من البخل بإهلاكه دون غيره ، أن غيره لا يبخل بإهلاكه لعدم وجود مثل أوصافه في ذلك الغير ، فيلزم أن وجوده منفرد عن الغير فلا يوجد له مثل ، فيلزم البخل بالمثل ، فقد تقرر بما ذكر وجه رجوع كل من الأوجه الثلاثة في حاصل المعنى لشيء واحد ، فتحصل مما تقرر أن الاتفاق في حاصل المعنى يصحح هذا الأخذ ، ومن توهم أن المخالفة في الجملة مانعة من الأخذ وأنها موجودة في أحد هذه التقادير المحتملة دون غير فقد غلط.
(وإن كان) الكلام الثاني في الأخذ المسمى بالإغارة (مثله) أي مثل الكلام الأول في البلاغة (ف) هذا الثاني (أبعد من الذم) أي هو حقيق بأن لا يذم بخلاف الكلام الثاني الذي هو أدنى كما تقدم ، وإنما قلنا هكذا ؛ لأن ظاهر العبارة يقتضي أن ثم بعيدا من الذم ، وهذا أبعد منه وليس كذلك ، أما الأول فهو أبعد من هذين أن لا يذم ، وأما ما يليه فهو مذموم فلا يتصف بالبعد من الذم (و) لكن مع كونه أبعد من الذم إنما (الفضل ل) لكلام (الأول) لا له (كقول أبي تمام :
لو حار مرتاد المنية لم يجد |
إلا الفراق على النفوس دليلا) (١) |
__________________
(١) البيت لأبى تمام فى عقود الجمان (٢ / ١٧٩) ، وشرح ديوانه ص (٢٢٨) ، ولكن فيه (لو جاء) بدلا من (لو حار).