وقد قال بعضهم : أيّها الشّابّ ، لا تغترّ بشبابك ، فإنّ أكثر من يموت الشباب .. أيها الشاب ، كم حمل فى التّنّور وأبوه يرعى ، وكم من طفل فى التراب وجدّه يسعى.
وروى أنّ داود ـ عليه السلام ـ بينما هو يسيح فى الجبال إذ وافى غارا عظيما ، فنظر ، فإذا فيه رجل عظيم الخلقة من بنى آدم ملقى ، وعند رأسه حجر مكتوب محفور ، يقول فيه : أنا «دوسيم» الملك ، ملّكت ألف عام ، وفتحت ألف مدينة ، وهزمت ألف جيش ، وافتضضت ألف بكر من بنات الملوك ، ثم صرت إلى ما ترى ، فصار التراب فراشى ، والحجارة وسادى ، فمن رآنى فلا تغرّه الدنيا كما غرّتنى.
ولمّا مات الإسكندر قال أرسطاطاليس الحكيم (١) : أيها الملك ، لقد حرّكتنا بسكونك .. وقال بعض الحكماء من أصحابه : لقد كان الملك أنطق منه اليوم ، وهو اليوم أعظم منه أمس ..
ونظمه أبو العتاهية فقال :
كفى حزنا بدفنك ثم أنّى |
|
نفضت تراب قبرك من يديّا |
وكانت فى حياتك لى عظات |
|
وأنت اليوم أوعظ منك حيّا (٢) |
__________________
(١) الإسكندر هو الإسكندر الأكبر المقدونى ، الملقّب بذى القرنين ، ولد سنة ٣٥٦ قبل ميلاد المسيح ـ عليه السلام ـ وتوفى سنة ٣٢٤ قبل الميلاد وكان من أعظم الغزاة والفاتحين وأشجعهم .. أمّا أرسطاطاليس ، أو أرسطو ، فهو أستاذ الإسكندر الأكبر ومؤدبه ، وهو فيلسوف يونانى كبير ، ولد سنة ٣٨٤ قبل الميلاد ، وتوفى سنة ٣٢٢ قبل الميلاد .. وقد تأثرت بوادر التفكير العربى بتآليفه التى نقلها إلى العربية النّقلة السّريان ، وعلى رأسهم إسحاق بن حنين ، مؤسس مذهب المشّائين.
[انظر خبرهما فى دائرة المعارف الإسلامية ج ٢ ص ٥٨١ وما بعدها ، ومعجم البلدان ج ١ ص ١٨٢ وما بعدها «مادة إسكندرية» ، وغير ذلك من المصادر].
(٢) وفى رواية «انطق منك حيّا» مكان «أوعظ ..».
[انظر الأبيات فى ديوان أبى العتاهية ص ٤٩١ و ٤٩٢ ط دار صادر].