وعند رأسه لوح من ذهب مكتوب فيه بالرومية : أنا سبأ بن نواس ، خدمت عيص بن إسحاق بن إبراهيم ، خليل الرّبّ الأكبر (١) ، وعشت بعده دهرا طويلا ، ورأيت عجبا كثيرا ، ولم أر فيما رأيت أعجب من غافل عن الموت وهو يرى مصارع آبائه ، ويقف على قبور أحبّائه ، ويعلم أنه صائر إليهم ثم لا يتوب .. وقد علمت أنّ الأجلاف الجفاة سينزلوننى (٢) عن سريرى ، ويتولّون ذلك حين يتغير الزمان (٣) ويترأس الصبيان (٤) ، ويكثر الهذيان ، فمن أدرك هذا الزمان عاش قليلا ، ومات ذليلا.
وعن عمرو بن ميمون قال : افتتحنا مدينة بفاس ، فدللنا على مغارة فيها بيت ، فيه سرير من ذهب ، عليه رجل عند رأسه لوح مكتوب فيه : أنا بهرام ابن بهرام ملك فارس ، كنت أعتاهم بطشا ، وأقساهم قلبا ، وأطولهم أملا ، وأحرصهم على الدنيا .. قد ملكت البلاد ، وقتلت الملوك ، وهزمت الجيوش ، وأذللت الجبابرة ، وجمعت فى الدنيا ما لم يجمعه أحد قبلى ، ولم أستطع أن أفتدى به من الموت إذ نزل بى.
وروى فى الإسرائيليات أن عيسى ـ عليه السلام ـ بينا هو فى سياحة إذ مرّ بجمجمة نخرة (٥) ، فأمرها أن تتكلم ، فقالت : يا روح الله ، أنا بلوان ابن حفص (٦) ، ملك اليمن ، عشت ألف سنة ، وولد لى (٧) ألف ذكر ،
__________________
(١) هكذا فى «م» .. وفى سراج الملوك : «الرب الدّيّان الملك الأكبر».
(٢) فى «م» : «سينزلونى». والأجلاف : جمع جلف ، ويطلق على الأحمق والغليظ الجافى.
(٣) هكذا فى «م» : .. وفى سراج الملوك : «ويتمولونه ، وذلك حين يتغير الزمان». ومعنى يتموّلونه ، أى : يفتنونه بعد موته.
(٤) يترأس الصبيان : يتولون الرئاسة ويصيرون رؤساء .. وفى المصدر السابق : «وتتأمّر الصبيان» أى : يصيرون أمراء.
(٥) نخرة : بالية مفتّتة.
(٦) هكذا فى «م» .. وفى سراج الملوك : «بلوام ..» بالميم.
(٧) فى «م» : «وولدت». وما أثبتناه عن «سراج الملوك».