وافتضضت ألف بكر ، وهزمت ألف عسكر ، وقتلت ألف جبّار ، وافتتحت ألف مدينة ، فمن رآنى فلا يغتر بالدنيا ، فما كانت إلّا كحلم النّائم .. فبكى عيسى عليه السلام بكاء شديدا.
ووجد مكتوبا على قصر قد باد أهله ، وأقفرت ناحيته (١) :
هذى منازل أقوام عهدتهم |
|
يوفون بالعهد مذ كانوا وبالذّمم |
تبكى عليهم ديار كان يطربها |
|
ترنّم المجد بين الحلم والكرم |
وأنشد القاضى أبو العباس أحمد الجرجانى (٢) :
قد شاب رأسى ورأس الحرص لم يشب |
|
إنّ الحريص على الدنيا لفى تعب |
بالله ربّك كم قصر مررت به |
|
قد كان يعمر باللّذّات والطّرب |
طارت عقاب المنايا فى جوانبه |
|
فصاح من بعده بالويل والحرب (٣) |
وله أيضا :
أيّها الرّافع البناء رويدا |
|
لن تذود المنون عنك المبانى |
إنّ هذا البناء يبقى وتفنى |
|
كلّ شىء أبقى من الإنسان (٤) |
__________________
(١) فى المصدر السابق : «وأقفرت ساحته».
(٢) هو على بن عبد العزيز بن الحسن الجرجانى ، أبو الحسن ، قاض ، من العلماء بالأدب ، ولد بجرجان ، وولى قضاءها ، واقتبس من أنواع العلوم والآداب ما صار به فى العلوم علما ، وفى الكلام عالما ، وكانت وفاته بنيسابور سنة ٣٩٢ ه ـ على الأرجح ـ وهو دون السبعين. ومن كتبه : الوساطة بين المتنبى وخصومه ، وتهذيب التاريخ ، وتفسير القرآن ، وله ديوان شعر ، ورسائل مدوّنة.
[انظر نماذج من أدبه فى يتيمة الدهر للثعالبى ج ٣ ص ٢٣٨ ـ ٢٥٩ ، وسير أعلام النبلاء للذهبى ج ١٧ ص ١٩ ـ ٢١ ، ومعجم الأدباء لياقوت ج ١٤ ص ١٤ ـ ٣٥ ، ووفيات الأعيان ج ٣ ص ٢٧٨ ـ ٢٨١ ، وطبقات المفسرين ج ١ ص ٤١٤ و ٤١٥ ، والنجوم الزاهرة ج ٤ ص ٢٥٠ ، والأعلام ج ٤ ص ٣٠٠].
(٣) العقاب : طائر من كواسر الطير ، قوى المخالب .. والحرب ، بفتح الحاء والراء المهملتين : الهلاك. يقسم الشاعر أنه مرّ بكثير من القصور التى كانت عامرة بما يلذ من الطيبات ، ويطرب الأسماع ، فإذا به الآن يراها وقد خيّم عليها الخراب والدمار بعد أن اختطف الموت ساكنيها وبادوا.
(٤) يعنى : يا من تبالغ فى رفع البناء ، تمهّل ، فإنّ ما تشيده لن يدفع عنك الموت ، وسترحل عنه وتتركه لغيرك.