(قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ). هذا جواب قولهم : (أَنَّى هذا) ومعناه أنتم السبب فيما أصابكم ، فلقد رأى رسول الله (ص) البقاء في المدينة وعدم الخروج الى أحد ، فأبيتم إلا الخروج ، ولما خرج معكم إلى أحد أمركم أن تلتزموا المراكز التي عينها للرماة ، فتركتموها طمعا في الغنيمة .. والخلاصة ان قوله تعالى : (هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) تماما كقوله : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).
(وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ). المراد باليوم يوم أحد ، وبالجمعين المسلمون والمشركون ، والمراد بإذن الله علمه تعالى ، تماما كقوله : (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ) أي فاعلموا ، ولا يجوز ان يراد بالاذن هنا الاباحة ، لأنه تعالى لا يبيح للكافر قتل المسلم.
(وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا). أي ان لما أصاب المسلمين يوم أحد فوائد ، منها ان يظهر الله علمه للناس بإيمان المؤمنين ، ونفاق المنافقين ، فالمنافقون قبل وقعة أحد لم يكونوا مكشوفين عند الناس ، ومتميزين عن المؤمنين وفي هذه الوقعة تكشفوا عن واقعهم ، وعليه يكون المراد بعلم الله هنا اظهار علمه بالمعلوم وتميزه عن غيره ، لا انه تعالى قد تجدد له العلم بعد وقعة أحد ، لأنه سبحانه يعلم الأشياء قبل وقوعها .. وسبقت الاشارة الى ذلك في الآية ١٤١ من هذه السورة.
(وَقِيلَ لَهُمْ) ـ أي للمنافقين ـ (تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا). لم يبين الله من هو الذي قال ذلك للمنافقين ، لأنه أورد القول بصيغة المجهول ، كما انه تعالى أشار للمنافقين بضمير الغيب لا بأسمائهم ، ولكن كثيرا من المفسرين قالوا : ان عبد الله بن أبي خرج مع النبي (ص) يوم أحد في ثلاثمائة مقاتل ، وفي أثناء الطريق رجع هو ومن معه ، ورفضوا أن يقاتلوا ، فعلوا ذلك بقصد التخذيل وتثبيط الهمم عن الحرب مع الرسول (ص) .. فقال لهم عبد الله أبو جابر الانصاري : لما ذا ترجعون؟ فان كان لكم دين ، فقاتلوا عن دينكم ، وهذا هو معنى فقاتلوا في سبيل الله. وان لم يكن لكم دين فدافعوا عن أنفسكم وأهلكم وأموالكم ، وهذا هو معنى أو دافعوا .. وذكر أصحاب التواريخ هذه المثلبة لابن أبيّ وأصحابه ، وقول عبد الله أبي جابر الأنصاري لهم .. ولفظ الآية