المعنى :
عرضت الآيات السابقة ألوانا شتى لنفاق المنافقين ، وتعرض هذه الآية لونا آخر من نفاقهم وحيلهم ، فقد رأى جماعة من منافقي المدينة ان أفضل وسيلة يكيدون فيها للإسلام ونبيه محمد (ص) ان يبنوا مسجدا تحت ستار التجمع لعبادة الله والمناداة فيه بأن محمدا رسول الله ، وتحت هذا الشعار يعملون للكفر بالله ورسوله ، والإضرار بالإسلام والمسلمين وتفريق كلمتهم .. وبالفعل بنوا هذا المسجد ، وأحكموا بنيانه ، وأنفقوا عليه المبالغ ، وبعد إتمامه ذهبوا الى رسول الله ، وقالوا : ان بيوتنا قاصية عن مسجدك ، ويصعب علينا الحضور فيه ، ونكره الصلاة في غير جماعة ، وقد بنينا مسجدا لهذه الغاية ، وللضعفاء وأهل العلة ، فإن رأيت ان تصلي فيه لنتيمّن ونتبرك بالصلاة في موضع صلاتك .. هذا هو شأن المنافقين والخائنين في كل عصر ، يحملون شعارات البناء ، ويعملون وراءها للهدم والتخريب .. ولكن سرعان ما تتكشف عوراتهم ، ويفتضحون لدى جميع الناس ، كما افتضح أصحاب مسجد الضرار ، حيث أنزل الله فيهم على نبيه يخبره بحقيقتهم في قوله :
(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ). تقول الآية الكريمة : ان الذين بنوا مسجد الضرار يهدفون من ورائه الى أربعة أغراض : الاول الإضرار بالمسلمين. الثاني الكفر بالله ، والطعن في نبيه. الثالث تفريق كلمة المسلمين وانشقاقهم على رسول الله. الرابع جعل المسجد معقلا لمن حارب الله ورسوله من قبل.
واتفق المفسرون وكتّاب السيرة النبوية على ان المقصود بهذا العدو الذي حارب الله ورسوله من قبل هو رجل من الخزرج يقال له : أبو عامر الراهب ، وكان قد تنصر ، وكانت له رئاسة ومكانة بين قومه ، ولما قدم النبي (ص) الى المدينة بارزه هذا اللعين بالعداوة ، وكان رسول الله يسميه الفاسق ، وحين رأى أمر النبي في ارتفاع فر الى مكة يحرّض قريشا على النبي ، وبعد فتحها فر الى الطائف ، ولما أسلم أهلها فر الى الشام ، ومن هناك كتب الى المنافقين من أنصاره أن يستعدوا