ويبنوا له مسجدا ، لأنه سيأتيهم بجنود قيصر لحرب محمد (ص) (١).
ولما نزلت هذه الآية قال النبي (ص) لبعض أصحابه : «انطلقوا الى هذا المسجد الظالم أهله ، فاهدموه» ففعلوا ذلك ، وأمر النبي (ص) ان يتخذ مكانا لإلقاء الجيف والقمامة .. وجاء في بعض الروايات تشبيه مسجد الضرار بالعجل الذي عبده بنو إسرائيل ، وموسى حي ، وكما أمر سبحانه نبيه موسى بتحطيم العجل فقد أمر رسوله الأعظم محمدا بهدم مسجد الضرار .. وكل مسجد او معهد او ناد يتخذ للدس والمؤامرات على المؤمنين والمخلصين فهو عجل بني إسرائيل ومسجد الضرار ، يجب هدمه واتخاذه محلا للقذارات.
ومنذ ظهر النفط في البلاد العربية ، وقامت من أجله الشركات الأجنبية ظهر معها المئات من مساجد الضرار في صور وأشكال شتى ، منها ما يحمل اسم المعبد او معهد الدراسات ، ومنها اسم المكتبة العامة ، او الجمعية الدينية ، ومنها اسم النادي الثقافي أو الرياضي ، ومنها ما ظهر في شكل كتاب او صحيفة أو محاضرة تذاع وتنشر باسم الدين والوطن ، ولا هدف من ورائها إلا محق الدين والوطن .. وما إلى ذلك من المشاريع التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب .. وتكلمنا عن الشعارات الدينية في ج ٢ ص ١٦٦ من هذا التفسير.
(وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ). الضمير في ليحلفن يعود الى الذين اتخذوا مسجدا ضرارا ، والمعنى ان هؤلاء المنافقين حلفوا لرسول الله (ص) ان غايتهم من بناء المسجد هي العبادة لله ، ومنفعة المسلمين ، والله يعلم انهم ما بنوه الا إضرارا بالمصلين ، وكفرا بالله ، وتفريقا بين المؤمنين ، ومعقلا لمن حارب الله ورسوله (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً) الخطاب للنبي ، والنهي عام ، للجميع ، تماما مثل قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ). وقال المفسرون : المراد بالقيام في قوله : (لا تَقُمْ فِيهِ) الصلاة ، والظاهر ان القيام هنا أعم يشمل الصلاة وغيرها .. وعلى أية حال ، فإن قوله تعالى : (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً) دليل
__________________
(١). كان لأبي عامر هذا الفاسق ابن ، اسمه حنظلة ، من اجل الصحابة وأخلصهم لله ورسوله ، وقتل معه يوم احد ، وكان جنبا ، فغسلته الملائكة ، فسمي غسيل الملائكة.